والثالث: وقال مقاتل: " يعني المنافقين عبد الله بن أبي، ومالك بن دخشم الأنصاري، وأصحابه دعاهم اليهود إلى دينهم منهم إصبغ ورافع ابني حرملة وهما رءوس اليهود فزينوا لهما ترك الإسلام حتى أرادوا أن يظهروا الكفر فأنزل الله- عز وجل- يحذرهما ولاية اليهود ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة﴾ " (١).
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ﴾ [آل عمران: ١١٨]، أي: " يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، وأقروا بما جاءهم به نبيهم من عند ربهم، لا تتخذوا أولياء وأصدقاء لأنفسكم من دون أهل دينكم وملَّتكم" (٢).
قال ابن كثير: يقول تبارك وتعالى ناهيًا عباده المؤمنين عن اتخاذ المنافقين بطانة، أي: يُطْلعونهم على سرائرهم وما يضمرونه لأعدائهم، قوله: ﴿مِنْ دُونِكُمْ﴾، أي: من غيركم من أهل الأديان، وبطانة الرجل: هم خاصّة أهله الذين يطلعون على داخل أمره" (٣).
قال الزجاج: " الدخلاء الذين يستبطنون ويتبسط إليهم، يقال فلان بطانة لفلان أي مداخل له ومؤانس، فالمعنى أن المؤمنين أمروا ألا يداخلوا المنافقين ولا إليهود، وذلك أنهم كانوا لا يبقون غاية في التلبيس على المؤمنين. فأمروا بألا يداخلوهم لئلا يفسدوا عليهم دينهم" (٤).
قال الطبري: " وإنما جعل " البطانة " مثلا لخليل الرجل، فشبهه بما ولي بطنه من ثيابه، لحلوله منه - في اطِّلاعه على أسراره وما يطويه عن أباعده وكثير من أقاربه - محلَّ ما وَلِيَ جَسده من ثيابه" (٥).
قوله تعالى: ﴿لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا﴾ [آل عمران: ١١٨]، " أي لا يقصرون لكم في الفساد" (٦).
قال ابن كثير: " أي: يَسْعَوْنَ في مخالفتهم وما يضرهم بكل ممكن، وبما يستطيعونه من المكر والخديعة" (٧).
قال الزجاج: " أي لا يبقون غاية في إلقائهم فيما يضرهم، وأصل «الخبال» في اللغة: ذهاب الشيء، قال الشاعر (٨):

ابني سليمي لستم ليد إلايدا مخبولة العضد
أي قد ذهبت عضدها" (٩).
قال الثعلبي: " أي لا يقصرون ولا يتركون عهدهم وطاقتهم فيما يورثكم فوق الشر والفساد. يقال: ما ألوته خيرا أو شرا أي ما قصرت في فعل ذلك. ومنه قول ابن مسعود في عثمان: ولم تأل عن خير لأخرى باديه، وقال امرؤ القيس (١٠):
وما المرء مادامت حشاشة نفسه بمدرك أطراف الخطوب ولا آل
أي مقصر في الطلب، والخبال: الشر والفساد، قال الله تعالى: ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا﴾ [التوبة: ٤٧] " (١١).
قوله تعالى: ﴿وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ﴾ [آل عمران: ١١٨]، " أي: تمنوا مشقتكم وما يوقعكم في الضرر الشديد" (١٢).
(١) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٢٩٧.
(٢) تفسير الطبري: ٧/ ١٣٨.
(٣) تفسير ابن كثير: ٢/ ١٠٦.
(٤) معاني القرآن: ١/ ٤٦١ - ٤٦٢.
(٥) تفسير الطبري: ٧/ ١٣٨.
(٦) صفوة التفاسير: ٢٠٥.
(٧) تفسير ابن كثير: ٢/ ١٠٦.
(٨) في ديوانه ص ٢١ (١)؛ ولسان العرب ١١/ ١٩٨ (خبل)؛ ومقاييس اللغة ٢/ ٢٤٣؛ ومجمل اللغة ٢/ ٢٥٦؛ وتهذيب اللغة ٧/ ٤٢٧؛ وتاج العروس (خبل)؛ وأساس البلاغة ص ١٠٣ (خبل)؛ وينسب إلى طرفة بن العبد؛ انظر ديوان أوس ص ١٤٩، وفيه:
" أبَنِي لُبَيْنَي لَسْتُمَ بِيَدٍ إلا يَدٍا لَيْسَتْ لَهَا عَضُدُ".
(٩) معاني القرآن: ١/ ٤٦٢.
(١٠) انظر: لسان العرب: ٦/ ٢٨٤.
(١١) تفسير الثعلبي: ٣/ ١٣٤.
(١٢) صفوة التفاسير: ٢٠٥.


الصفحة التالية
Icon