ومضوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرهم الله عظيم نعمته بعصمته فقال: إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما" (١).
قال الزمخشري: " وعن ابن عباس رضى الله عنه: «أضمروا أن يرجعوا، فعزم الله لهم على الرشد فثبتوا»، والظاهر أنها ما كانت إلا همة وحديث نفس، وكما لا تخلو النفس عند الشدة من بعض الهلع، ثم يردها صاحبها إلى الثبات والصبر ويوطنها على احتمال المكروه، كما قال عمرو بن الأطنابة:

أقول لها إذا جشأت وجاشت مكانك تحمدى أو تستريحى
حتى قال معاوية: عليكم بحفظ الشعر، فقد كدت أضع رجلي في الركاب يوم صفين، فما ثبت منى إلا قول عمرو بن الأطنابة. ولو كانت عزيمة لما ثبتت معها الولاية" (٢).
قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا﴾ [آل عمران: ١٢٢]، أي: "والله ناصرهما ومتولي امرهما" (٣).
قال الثعلبي: أي"ناصرهما وحافظهما" (٤).
قال البيضاوي: " ي عاصمهما من اتباع تلك الخطرة، ويجوز أن يراد والله ناصرهما فما لهما يفشلان ولا يتوكلان على الله" (٥).
قال محمد بن إسحاق: " أي: المدافع عنهما ما همَّتا به من فشلهما، وذلك أنه إنما كان ذلك منهما عن ضعف ووهن أصابهما، من غير شك أصابهما في دينهما، فتولى دفع ذلك عنهما برحمته وعائدته حتى سلمتا من وهنهما وضعفهما، ولحقتا بنبِّيهما صلى الله عليه وسلم" (٦).
وقرأ ابن مسعود: ﴿وَاللهُ وَليُّهُمْ﴾، قال الطبري: "وإنما جاز أن يقرأ ذلك كذلك، لأن الطائفتين، وإن كانتا في لفظ اثنين، فإنهما في معنى جماع، بمنزلة: الخصمين والحزبين (٧).
قوله تعالى: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [آل عمران: ١٢٢]، أي: " وعلى الله فليتوكل في أمورهم أهل الإيمان به" (٨).
قال مقاتل: " يعني فليثق المؤمنون به " (٩).
قال البيضاوي: " أي فليتوكلوا عليه ولا يتوكلوا على غيره لينصرهم كما نصرهم ببدر" (١٠).
قال أبو السعود: أي: " في جميع أمورهم فإنه حسبهم وإظهار الاسم الجليل للتبرك والتعليل فإن الألوهية من موجبات التوكل عليه تعالى واللام في المؤمنين للجنس فيدخل فيه الطائفتان دخولا أوليا وفيه إشعار بأن وصف الإيمان من دواعي التوكل وموجباته" (١١).
قال محمد بن إسحاق: " أي: من كان به ضعف من المؤمنين أو وهَن، فليتوكل عليّ، وليستعن بي أعنِه على أمره، وأدفع عنه، حتى أبلغ به وأقوّيه على نيته" (١٢).
قال ابن عطية: " أمر في ضمنه التغبيط للمؤمنين بمثل ما فعله بنو حارثة وبنو سلمة من المسير مع النبي صلى الله عليه وسلم" (١٣).
الفوائد:
١ - أن الدعاية ولو كانت باطلة ربما تؤثر على المؤمن.
(١) تفسير الثعلبي: ٣/ ١٣٩.
(٢) الكشاف: ١/ ٤٠٩ - ٤١٠.
(٣) صفوة التفاسير: ٢٠٧.
(٤) تفسير الثعلبي: ٣/ ١٣٩.
(٥) تفسير البيضاوي: ٢/ ٣٦.
(٦) أخرجه الطبري (٧٧٣٢): ص ٧/ ١٦٨.
(٧) تفسير الطبري: ٧/ ١٦٩.
(٨) تفسير الطبري: ٢٣/ ٢٤٣.
(٩) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٢٩٩.
(١٠) تفسير البيضاوي: ٢/ ٣٦.
(١١) تفسير أبي السعود: ٢/ ٧٨.
(١٢) أخرجه الطبري (٧٧٣٢): ص ٧/ ١٦٨ - ١٦٩.
(١٣) المحرر الوجيز: ١/ ٥٠١.


الصفحة التالية
Icon