أحدها: إن الله عز وجل كان وعد المؤمنين يوم بدر أن يمدَّهم بملائكته، إن أتاهم العدو من فورهم، فلم يأتوهم، ولم يُمَدُّوا. وهذا عامر الشعبي (١).
والثاني: كان هذا الوعد من الله لهم يوم بدر، فصبر المؤمنون واتقوا الله، فأمدهم بملائكته على ما وعدهم. وهذا قول مالك بن ربيعة (٢)، وابن عباس (٣)، والحسن (٤)، وقتادة (٥)، والربيع (٦)، ومجاهد (٧).
والثالث: أن ذلك الإمداد كان يوم الاحزاب، وإنما وعدهم يوم بدر أن يمدَّهم إن صبروا عند طاعته وجهاد أعدائه، واتقوه باجتناب محارمه، أن يمدهم في حروبهم كلها، فلم يصبروا ولم يتقوا إلا في يوم الأحزاب، فأمدَّهم حين حاصروا قريظة. وهذا قول عبد الله بن أبي أوفى (٨).
والرابع: وقال آخرون بنحو معنى القول الثالث، غير أنهم قالوا: لم يصبر القوم ولم يتقوا ولم يُمدوا بشيء في أحُد. وهذا قول عكرمة (٩)، والضحاك (١٠)، وابن زيد (١١).
قال الطبري: " وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبرَ عن نبيه محمد ﷺ أنه قال للمؤمنين: ألن يكفيَكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة؟ فوعدهم الله بثلاثة آلاف من الملائكة مددًا لهم، ثم وعدهم بعد الثلاثة الآلاف، خمسة آلاف إن صبروا لأعدائهم واتقوا الله. ولا دلالة في الآية على أنهم أمدوا بالثلاثة الآف، ولا بالخمسة آلاف، ولا على أنهم لم يمدوا بهم، وقد يجوز أن يكون الله عز وجل أمدهم، على نحو ما رواه الذين أثبتوا أنه أمدهم وقد يجوز أن يكون لم يمدهم على نحو الذي ذكره من أنكر ذلك، ولا خبر عندنا صحَّ من الوجه الذي يثبت أنهم أمِدوا بالثلاثة الآلاف ولا بالخمسة الآلاف. وغير جائز أن يقال في ذلك قولٌ إلا بخبر تقوم الحجة به. ولا خبر به كذلك، فنسلم لأحد الفريقين قوله. غير أنّ في القرآن دلالةً على أنهم قد أمدوا يوم بدر بألف من الملائكة، وذلك قوله: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [سورة الأنفال: ٩] فأما في يوم أحُد، فالدلالة على أنهم لم يمدوا أبينُ منها في أنهم أمدوا. وذلك أنهم لو أمدوا لم يهزموا، ويُنالَ منهم ما نيل منهم، فالصواب فيه من القول أن يقال كما قال تعالى ذكره" (١٢).
وفي قوله تعالى: ﴿مُنْزلِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٤] قراءتان (١٣):
إحداهما: ﴿مُنْزلِينَ﴾: بكسر الزاي، مخففا، يعني منزلين النصر. وهي قراءة أبو حيوة.
والثانية: ﴿مُنْزَلِينَ﴾، مشددة مفتوحة الزاي على التكثير، وتصديقه قوله: ﴿وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ﴾ [الأنعام: ١١١]. وهي قراءة الحسن ومجاهد وطلحة بن مصرف وعمر ابن ميمون وابن عامر.
الفوائد:
١ - إدخال الأمل في قلوب الناس عند اشتداد الازمات.
٢ - إثبات الربوبية الخاصة، لقوله: ﴿أن يمدكم ربكم﴾، والربوبية نوعان: خاص، مثل هذه الآية الكريمة، وعام: مثل قوله: ﴿الحمد لله ربا عالمين﴾ [الفاتحة: ٢].
٣ - أن الملائكة اجسام يحصون بالعدد.
٤ - أن موطن الملائكة هو السماء، هذا هو الأصلـ لقوله: ﴿منزلين﴾.
القرآن
(٢) انظر: تفسير الطبري (٧٧٤٧): ص ٧/ ١٧٥.
(٣) انظر: تفسير الطبري (٧٧٥٠): ص ٧/ ١٧٥.
(٤) انظر: تفسير الطبري (٧٧٤٥): ص ٧/ ١٧٤.
(٥) انظر: تفسير الطبري (٧٧٥٤): ص ٧/ ١٧٧ - ١٧٨.
(٦) انظر: تفسير الطبري (٧٧٥٥): ص ٧/ ١٧٨.
(٧) انظر: تفسير الطبري (٧٧٥٧): ص ٧/ ١٧٨.
(٨) انظر: تفسير الطبري (٧٧٥٨): ص ٧/ ١٧٨ - ١٧٩.
(٩) انظر: تفسير الطبري (٧٧٥٩): ص ٧/ ١٧٩ - ١٨٠.
(١٠) انظر: تفسير الطبري (٧٧٦١): ص ٧/ ١٨٠.
(١١) انظر: تفسير الطبري (٧٧٦٢): ص ٧/ ١٨٠.
(١٢) تفسير الطبري: ٧/ ١٨٠ - ١٨١.
(١٣) انظر: تفسير الثعلبي: ٣/ ١٤٣.