قال محمد بن إسحاق: " ﴿وهم يعلمون﴾ ما حرمت عليهم من عبادة غيري" (١).
قال الصابوني: أي: "وهم عالمون بقبحه" (٢).
قال الطبري: أي: " وهم يعلمون أنّ الله قد تقدم بالنهي عنها، وأوعد عليها العقوبةَ من ركبها" (٣).
الفوائد:
١ - أن المتقي لايكون محصوما من فعل الفاحشة أو ظلم النفس، عليه فإن فعل الفاحشة لايخدش التقوى إذا استغفر الإنسان وتاب، فليس الشأن في ان لا يفعل الإنسان المعصية، كل إنسان لابد أن يعصى، لكن الشأن في أنه إذا فعل المعصية رجع إلى الله وتاب.
٢ - أن الذنوب على قسمين: فواحش ودونها، أي: الكبائر والصغائر.
٣ - أن المبادرة بالتوبة من صفات المتقين، لأن التوبة واجب، والتسويف في التوبة من الشيطان.
٤ - أن ذكر الله تعالى سبب للتوبة والرجوع إلى الله.
٥ - أنه لا احد يغفر الذنوب إلا الله.
٦ - أن الرجل إذا أذنب فاستغفر، ثم اذنب فاستغفر، ثم اذنب فاستغفر، فإنه يغفر له وإن تكرر الذنب منه، لأن الله قال هنا: :﴿وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾، ولم يقل: ولم يعيدوا ما فعلوا، كما يجب أن لايكون استغفاره بلسانه فقط وقلبه منطو على الرجوع، فإن كان كذلك فإن الاستغفار لايفيده.
٧ - توبيخ من أصرّ على الذنب وهو عالم به، ولهذا قال العلماء أن الاصرار على المعصية الصغيرة يجعلها كبيرة، لأن إصراره عليها يل على تهاونه بمن عصاه.
القرآن
﴿أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (١٣٦)﴾ [آل عمران: ١٣٦]
التفسير:
أولئك الموصوفون بتلك الصفات العظيمة جزاؤهم أن يستر الله ذنوبهم، ولهم جنات تجري من تحت أشجارها وقصورها المياه العذبة، خالدين فيها لا يخرجون منها أبدًا. ونِعْمَ أجر العاملين المغفرة والجنة.
قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ [آل عمران: ١٣٦]، " أي: الموصوفون بتلك الصفات الحميدة جزاؤهم وثوابهم العفو عما سلف من الذنوب" (٤).
قال ميمون بن مهران: " وجبت لهم المغفرة" (٥).
قال ابن كثير: " أي: جزاؤهم على هذه الصفات مغفرة من الله" (٦).
عن سعيد بن جبير: في قول الله تعالى: ﴿أولئك﴾، يعني: الذين فعلوا ما ذكر الله في هذه الآية" (٧).
أخرج ابن أبي حاتم عن عاصم، عن أبي عثمان: " أنه كان إذا تتلى هذه الآية: والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم إلى قوله: جزاؤهم مغفرة من ربهم قال: نعم ما جازاك على الذنب" (٨).
قوله تعالى: ﴿وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [آل عمران: ١٣٦]، " أي: ولهم جنات تجري خلال أشجارها الأنهار" (٩).
قال مقاتل بن حيان: " جعل جزاؤهم جنات تجري من تحتها الأنهار" (١٠).

(١) أخرجه ابن أبي حاتم (٤١٩٣): ص ٣/ ٧٦٧.
(٢) صفوة التفاسير: ٢١١.
(٣) تفسير الطبري: ٧/ ٢١٩.
(٤) صفوة التفاسير: ٢١١.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم (٤١٩٦): ص ٣/ ٧٦٧.
(٦) تفسير ابن كثير: ٢/ ١٢٦.
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم (٤١٩٤): ص ٣/ ٧٦٧.
(٨) تفسير ابن أبي حاتم (٤١٩٥): ص ٣/ ٧٦٧.
(٩) صفوة التفاسير: ٢١١.
(١٠) أخرجه ابن أبي حاتم (٤١٩٧): ص ٣/ ٧٦٧.


الصفحة التالية
Icon