عن أبي الضحى قال: نزلت: ﴿ويتخذ منكم شهداء﴾، فقتل منهم يومئذ سبعون، منهم أربعة من المهاجرين: حمزة بن عبد المطلب، ومصعب بن عمير، أخو بني عبد الدار، والشماس بن عثمان المخزومي، وعبد الله بن جحش الأسدي، وسائرهم من الأنصار" (١).
أخرج الحاكم عن جابر-صحيحا-: "سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إذا ذكر أصحاب أحد والله لوددت أني غودرت مع أصحابي بحصن (٢) الجبل» " (٣).
قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٠]، "أي: والله لايحب المعتدين" (٤).
عن ابن عباس: ﴿الظالمين﴾، يقول: الكافرين" (٥).
قال محمد بن إسحاق: " أي: المنافقين الذي يظهرون بألسنتهم الطاعة، وقلوبهم مصرَّة على المعصية" (٦).
قال السمعاني: " يعني: أنه ما جعل اليد للكفار يوم أحد لحبه إياهم؛ ولكن ليبتليكم، ويجعلكم شهداء" (٧).
قال النسفي: قوله: " ﴿والله لا يُحِبُّ الظالمين﴾ اعتراض بين بعض التعليل وبعض ومعناه والله لا يحب من لبس من هؤلاء الثابتين على الإيمان المجاهدين في سبيله وهم المنافقون والكافرون" (٨).
قال السعدي: " ﴿الظالمين﴾: الذين ظلموا أنفسهم، وتقاعدوا عن القتال في سبيله، وكأن في هذا تعريضا بذم المنافقين، وأنهم مبغضون لله، ولهذا ثبطهم عن القتال في سبيله" (٩).
الفوائد:
١ - بيان رأفة الله سبحانه وتعالى برسول الله-صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام-رضوان الله عليهم- بهذه التسلية العظيمة: ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ﴾.
٢ - أنه ينبغي للإنسان ان يعزي المصاب بمثل هذه التعزية، وذلك بذكر النظائراو ما هو أعظم، كأن يقول له مثلا: يا اخي أنت لست أول من أصيب... الخ.
٣ - أن الله تعالى جعل هذه الدنيا دولا تتقلب لئلا يركن الإنسان إليها.
٤ - تمام سلان الله تعالى في خلقه، وأن له التدبير المطلق، ليظهر أو يتبيّن بذلك تمام سلطان الله تعالى.
٥ - أن الله قد يبتلي العبد بالمصائب ليعلم إيمانه من عدمه.
٦ - أن الله قد يقدر المكروه لحكم بالغة كثيرة.
٧ - أن علم الله تعالى بالاشياء على قسمين: علم بنها ستوجد وهذا أزلي، وعلم بأنها وجدت، وهذا يكون عند الوجود، ولهذا قال: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾.
٨ - فضيلة الشهادة، لكونها اصطفاء من الله تعالى لخواص عباده.
٩ - فضيلة شهداء أحد، لقوله: ﴿وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾.
١٠ - إثبات المحبة لله، وجهه نفيه عن الظالمين يدل على ثبوتها لغيرهم أو لضدهم.
١١ - التحذير من الظلم، لأنه مؤدي إلى عدم محبة الله له.
القرآن
﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (١٤١)﴾ [آل عمران: ١٤١]
التفسير:

(١) أخرجه ابن أبي حاتم (٤٢٣٧): ص ٣/ ٧٧٣ - ٧٧٤.
(٢) وفي رواية "بحضن الجبل، وفي مجمع الزوائد (١٠١١٩): ص ٦/ ١٢٣: "بجص الجبل" قال: يعني سفح الجبل، وثبته ابن الملقن: "بنحص الجبل"، بالضم، أي: أجل الجبل، معنى أن يكون استشهد معهم. وقال ابن أبي الزناد: نحص الجبل أسفله. [انظر: مغازي الواقدي: ١/ ٢٥٦].
(٣) المستدرك (٢٤٠٧): ص ٢/ ٨٦، وقال: " هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، وانظر: الدر المنثور: الدر المنثور: ٢/ ٣٧٦.
(٤) صفوة التفاسير: ٢١١.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم (٤٢٤٢): ص ٣/ ٧٧٤.
(٦) أخرجه الطبري (٧٩١٧): ص ٧/ ٢٤٤.
(٧) تفسير السمعاني: ١/ ٣٦١.
(٨) تفسير النسفي: ١/ ٢٦٩.
(٩) تفسير السعدي: ١٤٩.


الصفحة التالية
Icon