قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا﴾ [آل عمران: ١٤٧]، أي: " وما كان قول هؤلاء الصابرين إلا أن قالوا: ربنا اغفر لنا ذنوبنا" (١).
قال الطبري: أي: " لم يعتصموا، إذ قتل نبيهم، إلا بالصبر على ما أصابهم، ومجاهدة عدوهم، وبمسألة ربهم المغفرة والنصر على عدوهم" (٢).
قال ابن إسحاق: " أي: فقولوا كما قالوا، واعلموا أنما ذلك بذنوب منكم، واستغفروا كما استغفروا، وامضوا على دينكم كما مضوا على دينهم، ولا ترتدُّوا على أعقابكم راجعين" (٣).
قال الماتريدي: " قيل: وما كان قول الأمم السالفة عند قتل نبيهم - إلا أن قالوا: (ربنا اغفر لنا ذنوبنا) الآية، يقول: يعلم الله هذه الأمة ويعاتبهم: هلا قلتم أنتم حين نعي إليكم نبيكم كما قالوا القوم في الأمم السالفة؟ ! " (٤).
قال الزمخشري: " هذا القول وهو إضافة الذنوب والإسراف إلى أنفسهم مع كونهم ربانيين، هضما لها واستقصارا" (٥).
قوله تعالى: ﴿وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا﴾ [آل عمران: ١٤٧]، "أي: وتفريطنا وتقصيرنا في واجب طاعتك وعبادتك" (٦).
عن ابن عباس: " قوله: ﴿وإسرافنا في أمرنا﴾، يقول: خطايانا" (٧).
وعن مجاهد: " ﴿إسرافنا في أمرنا﴾، خطايانا وظلمنا أنفسنا" (٨).
ون الضحاك: "قوله: ﴿وإسرافنا في أمرنا﴾، فهي: الخطايا الكبائر" (٩).
قال الزمخشري: "والدعاء بالاستغفار منها مقدما على طلب تثبيت الأقدام في مواطن الحرب والنصرة على العدو، ليكون طلبهم إلى ربهم عن زكاء وطهارة وخضوع، وأقرب إلى الاستجابة" (١٠).
قال المراغي: " وفى هذا إيماء إلى أن الذنوب والإسراف فى الأمور من عوامل الخذلان، والطاعة والثبات والاستقامة من أسباب النصر والفلاح، ومن ثم سألوا ربهم أن يمحو من نفوسهم أثر الذنوب وأن يوفقهم إلى دوام الثبات حين تزلّ الأقدام. وقد قدموا طلب المغفرة من الذنوب على طلب النصر ليكون الدعاء فى حيز القبول، فإن الدعاء المقرون بالخضوع والطاعة الصادر عن زكاء وطهارة أقرب إلى الاستجابة.
وفى طلبهم النصر من الله مع كثرة عددهم التي دل عليها قوله: (رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) إعلام بأنهم لا يعوّلون على كثرة العدد بل يطلبون العون والمدد الروحاني من الله بثبات الأقدام والتمسك بأهداب الحق" (١١).
قال الراغب: " الفرق بين الدنب والإسراف من وجهين:
أحدهما: أن الإسراف نجاوز الحد فى فعل ما يجب، والذنب عام فيه وفي التقصير، فإذا كل إسراف ذنب، وليس كل ذنب إسرافا.
والثاني: أن حقيقة الذنب: التقصير وترك الأمر حتى يفوت، ثم يؤخذ بالذنب. والذنب إذن في الأصل مقابل الإسراف، وكلاهما مذمومان، أحدهما: من جهة التفريط. والآخر: من جهة الإفراط" (١٢).
قوله تعالى: ﴿وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا﴾ [آل عمران: ١٤٧]، أي: "وثبّت اقدامنا في مواطن الحرب" (١٣).
قال ابن إسحاق: "واسألوه كما سألوه أن يثبِّت أقدامكم" (١٤).

(١) التفسير الميسر: ٦٨.
(٢) تفسير الطبري: ٧/ ٢٧١ - ٢٧٢.
(٣) أخرجه الطبري (٧٩٩٣): ص ٧/ ٢٧٣، وابن أبي حاتم (٤٣٩٧): ص ٣/ ٧٨٢ - ٧٨٣.
(٤) تفسير الماتريدي: ٢/ ٥٠٢..
(٥) الكشاف: ١/ ٤٢٤.
(٦) صفوة التفاسير: ٢١٢.
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم (٤٢٩٨): ص ٣/ ٧٨٣.
(٨) أخرجه ابن أبي حاتم (٤٢٩٩): ص ٣/ ٧٨٣.
(٩) أخرجه ابن أبي حاتم (٤٣٠٠): ص ٣/ ٧٨٣.
(١٠) الكشاف: ١/ ٤٢٤.
(١١) تفسير المراغي: ٤/ ٩٣.
(١٢) تفسير الراغب الأصفهاني: ٣/ ٩٠٠.
(١٣) صفوة التفاسير: ٢١٢. [بتصرف].
(١٤) أخرجه الطبري (٧٩٩٣): ص ٧/ ٢٧٣، وابن أبي حاتم (٤٣٠١): ص ٣/ ٧٨٣.


الصفحة التالية
Icon