٣ - قال الشيخ السعدي: " وفي قوله: ﴿فانكحوا ما طاب لكم من النساء﴾ دليل على أن نكاح الخبيثة غير مأمور به، بل منهي عنه كالمشركة، وكالفاجرة، كما قال تعالى: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ [البقرة: ٢٢١]، وقال: ﴿وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ﴾ [النور: ٣] " (١).
القرآن
﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (٤)﴾ [النساء: ٤]
التفسير:
وأعطوا -أيها الأزواج- النساء مهورهن، عطية واجبة وفريضة لازمة عن طيب نفس منكم. فإن طابت أنفسهن لكم عن شيء من المهر فوهَبْنه لكم فخذوه، وتصرَّفوا فيه، فهو حلال طيب.
في سبب نزول أقوال:
أحدها: أخرج الطبري وابن أبي حاتم (٢) وابن المنذر (٣)، عن أبي صالح: "كان الرجل إذا زوج أيِّمه أخذ صداقها دونها، فنهاهم الله تبارك وتعالى عن ذلك، ونزلت: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾ " (٤).
والثاني: قال مقاتل: " وذلك أن الرجل كان يتزوج بغير مهر. فيقول: أرثك وترثيني وتقول المرأة: نعم فأنزل الله- عز وجل- ﴿وآتوا النساء﴾ " (٥).
والثالث: نقل الثعلبي عن الحضرمي: "كان أولياء النساء يعطي هذا أخته على أن يعطيه الآخر أخته لا مهر بينهما، فنهوا عن ذلك وأمرهم بتسميته وأمروا المهر عند العقد" (٦).
والرابع: أخرج الطبري عن المعتمر، عن أبيه قال: "زعم حضرميٌّ أن أناسًا كانوا يتأثمون أن يُراجع أحدهم في شيء مما ساق إلى امرأته، فقال الله تبارك وتعالى: ﴿فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا فكلوه هنيئًا مريئًا﴾ " (٧).
قوله تعالى: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾ [النساء: ٤]، أي: " وأعطوا النساء مهورهن عطيّة واجبة، عن طيب نفسٍ" (٨).
قال أبو عبيدة: " أي: مهرهن، عن طيب نفس، بالفريضة بذلك " (٩).
قال الفراء: " وذلك أنهم كانوا في الجاهلية لا يعطون النساء من مهورهن شيئا، فأنزل الله تعالى: أعطوهن صدقاتهن نحلة، يقول: هبة وعطية" (١٠).
قال الطبري: " وهذا أمرٌ من الله أزواجَ النساء المدخول بهن والمسمَّى لهن الصداق، أن يؤتوهن صدُقاتهن، دون المطلقات قبل الدخول ممن لم يسمّ لها في عقد النكاح صداق" (١١).
روي عن التستري: " أعطوهن الصداق هبة من الله عز وجل لهن. وقد قال: إن النحلة الديانة، وقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أقذر المعاصي عند الله تعالى: منع الأجير أجرته، ومنع المرأة مهرها» (١٢) " (١٣).
قال ابن عباس: " يعني بـ ﴿النحلة﴾، المهر" (١٤). وروي عن مقاتل بن حيان نحوه (١٥).
(٢) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٤٧٦٥): ص ٣/ ٨٦٠.
(٣) انظر: تفسير ابن المنذر (١٣٣٩): ص ٢/ ٥٥٨.
(٤) تفسير الطبري (٨٥١٠): ص ٧/ ٥٥٣.
(٥) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٥٧.
(٦) تفسير الثعلبي: ٣/ ٢٤٩.
(٧) تفسير الطبري (٨٥٢٠): ص ٧/ ٥٥٦.
(٨) تفسير الطبري: ٧/ ٥٥٢، وصفوة التفاسير: ٢٣٧.
(٩) أخرجه ابن المنذر (١٣٤١): ص ٢/ ٥٥٩.
(١٠) معاني القرآن: ١/ ٢٥٦.
(١١) تفسير الطبري: ٧/ ٥٥٤.
(١٢) هكذا أورده التستري في تفسيره، ولم أجد هذا النص في كتب السنن، إلا أنه جاء في غريب الحديث لابراهيم الحربي (أبو إسحاق): ص ٢/ ٧٩٣: " عن عطاء، عن ابن عمر: " إن من أقذر الذنوب عند الله رجل ظلم امرأة صداقها قلت لليث: أنصب ابن عمر الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه قال: وما علمه لولا أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه". وانظر: المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث: : نصب": ص ٣/ ٣٠٥، واللسان (نصب)، والنهاية: ٥/ ٦١.
(١٣) تفسير التستري: ٥٣.
(١٤) أخرجه الطبري (٨٥٠٧): ص ٧/ ٥٥٣.
(١٥) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٤٧٦٨): ص ٣/ ٨٦١.