قال السمعاني: " والرد إلى الكتاب والسنة واجب، ما دام في الحادثة شئ من الكتاب والسنة، فإن لم يكن فالسبيل فيه الاجتهاد، وروى أن مسلمة بن عبد الملك قال لرجل: إنكم أمرتم أن تطيعونا، فقال الرجل: قد نزعها الله منكم؛ حيث قال: ﴿فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول﴾ وقد تنازعتم، فقال مسلمة: أين الله؟ فقال: الكتاب، وقال: أين الرسول؟ فقال: السنة، وقيل: الرد إلى الله والرسول: أن يقول الرجل فيما لا يدرى: الله ورسوله أعلم، وهذا قول حسن" (١).
قوله تعالى: ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [النساء: ٥٩]، أي: " إن كنتم تؤمنون حق الإيمان بالله تعالى وبيوم الحساب" (٢).
قال البيضاوي: أي: " فإن الإيمان يوجب ذلك" (٣).
قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: ٥٩]، أي: " ذلك الرجوع إلى الكتاب والسنة خير لكم وأصلح، وأحسن عاقبة ومآلا " (٤).
قال البيضاوي: أي: " ذلك الرد، ﴿خير لكم﴾، وأحسن عاقبة، أو أحسن تأويلا من تأويلكم بلا رد" (٥).
قال الطبري: أي: " ﴿خير﴾ لكم عند الله في معادكم، وأصلح لكم في دنياكم، لأن ذلك يدعوكم إلى الألفة، وترك التنازع والفرقة، ﴿وأحسن تأويلا﴾، يعني: وأحمد مَوْئلا ومغبّة، وأجمل عاقبة" (٦).
قال ابن كثير: " أي: التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله. والرجوع في فصل النزاع إليهما خير ﴿وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا﴾ أي: وأحسن عاقبة ومآلا" (٧).
قال ابن زيد: " التأويل "، التصديق" (٨).
وفي قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: ٥٩]، وجوه:
أحدها: أحسن عَاقِبَةً، وهذا قول قتادة (٩)، والسدي (١٠)، وابن زيد (١١). واختاره الزجاج (١٢)..
والثاني: أحسن جزاءا، وهو معنى قول مجاهد (١٣). قال ابن كثير: "وهو قريب من القول الأول (١٤).
والثالث: أحسن من تاويلكم انتم. دون ردكم إياه إلى الكتاب والسثة. أجازه الزجاج (١٥).
قال ابن عطية: " ﴿تَأْوِيلًا﴾، معناه: مآلا على قول جماعة" (١٦).
الفوائد:
١ - وجوب رد الأمور المتنازع فيها إلى الله ورسوله؛ لقوله: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ﴾.
٢ - تحريم رد المسائل المتنازع فيها إلى القوانين الوضعية، أو تحكيم أهل الكفر والإلحاد، لقوله: ﴿{إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾}.
٣ ـ تحريم التقليد مع وضوح الدليل، لقوله: ﴿فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾، وإنما قلنا: مع وضوح الدليل؛ لأن التقليد يجوز للضرورة إذا لم يعلم الإنسان، لقوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣]، ولم يأمر سبحانه بسؤال أهل الذكر إلا للرجوع إلى ما يقولون، وإلا لم يكن هناك فائدة من سؤال أهل الذكر.
٤ - أن الرد إلى الله والرسول من مقتضيات الإيمان، لقوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَومِ الآخِرِ﴾.
(٢) التفسير الميسر: ٨٧.
(٣) تفسير البيضاوي: ٢/ ٨٠.
(٤) انظر: التفسير الميسر: ٨٧، وصفوة التفاسير: ٢٦١.
(٥) تفسير البيضاوي: ٢/ ٨٠.
(٦) تفسير الطبري: ٨/ ٥٠٦.
(٧) فسير ابن كثير: ٢/ ٣٤٦.
(٨) أخرجه الطبري (٩٨٩٠): ص ٨/ ٥٠٧.
(٩) انظر: تفسير الطبري (٩٨٨٨): ص ٨/ ٥٠٦.
(١٠) انظر: تفسير الطبري (٩٨٨٩): ص ٨/ ٥٠٦.
(١١) انظر: تفسير الطبري (٩٨٩٠): ص ٨/ ٥٠٧.
(١٢) انظر: معاني القرآن: ٢/ ٦٨.
(١٣) انظر: تفسير ابن ابي حاتم (٥٥٤٥): ص ٣/ ٩٩٠.
(١٤) انظر: تفسير ابن كثير: ٢/ ٣٤٦.
(١٥) انظر: معاني القرآن: ٢/ ٦٨.
(١٦) المحرر الوجيز: ٢/ ٧١.