قضيت ويسلموا تسليما}، فهدر دم ذلك الرجل وبرئ عمر من قتله، فكره الله أن يسن ذلك بعد، فقال: ﴿ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم﴾ إلى قوله: ﴿وأشد تثبيتا﴾ " (١).
قال ابن حجر: " وفيه تقوية لقول من قال: إن الآيات كلها أنزلت في حق المتخاصمين إلى الكاهن كما تقدم، وبهذا جزم الطبري (٢) وقواه بأن الزبير لم يجزم بأن الآية نزلت في قصته بل أورده ظنا (٣).
قلت [ابن حجر]: لكن تقدم في حديث أم سلمة الجزم بذلك، ويحتمل أن تكون قصة الزبير وقعت في أثناء ذلك، فتناولها عموم الآية والله أعلم، وقد تقدم أن القصة المذكورة نزل فيها ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ﴾ " (٤).
والرابع: أخرج ابن ابي حاتم عن عكرمة قال: " نزلت في اليهود" (٥).
قال ابن عطية: " والصحيح في سبب قوله تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾، حديث الزبير مع جاره الأنصاري في حديث السقي" (٦).
قوله تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ [النساء: ٦٥]، " أي: فوربك يا محمد لا يكونون مؤمنين حتى يجعلوك حكماً بينهم ويرضوا بحكمك فيما تنازعوا فيه واختلفوا من الأمور" (٧).
قال مقاتل: " يقول لا يستحقون الإيمان حتى يرضوا بحكمك فيما اختلفوا فيه من شيء" (٨).
قال الزجاج: " أي فيما وقع من الاختلاف بينهم" (٩).
قال ابن كثير: " يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة: أنه لا يؤمن أحد حتى يُحَكم الرسول ﷺ في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنا وظاهرا" (١٠).
عن أبي عبيدة: " ﴿فيما شجر بينهم﴾، أي: اختلط " (١١).
قال السمعاني: أي: " لا يكمل إيمانهم حتى يرضوا بحكمك، وينقادوا لك، قيل: هذه أبلغ آية في كتاب الله - تعالى - في الوعيد" (١٢).
قال السعدي: " قسم تعالى بنفسه الكريمة أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسوله فيما شجر بينهم، أي: في كل شيء يحصل فيه اختلاف، بخلاف مسائل الإجماع، فإنها لا تكون إلا مستندة للكتاب والسنة" (١٣).
والاشتجار: "الاختلاف، ومنه الشجر لالتفاف أغصانه بعضها على بعض، قال الشاعر (١٤):
| هم الحكام أرباب الندي | وسراة الناس إذ الأمر شجر |
قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: ٦٥]، "أي: ثم لا يجدوا في أنفسهم ضيقاً من حكمك وينقادوا انقياداً تاماً كاملاً لقضائك" (١٦).
قال مقاتل: " يقول: لا يجدون في قلوبهم شكا مما قضيت أنه الحق ويسلموا لقضائك لهم وعليهم تسليما" (١٧).
(٢) انظر: تفسير الطبري: ٨/ ٥٢٤ - ٥٢٥.
(٣) لم أجد هذا المعنى في كلام الطبري في "التفسير" وقد قال الحافظ في "الفتح" "٥/ ٣٨": "ورجح الطبري في "تفسيره" وعزاه إلى أهل التأويل في "تهذيبه" إن سبب نزولها: هذه القصة ليتسق نظام الآيات كلها في سبب واحد قال. ولم يعرض بينها ما يقتضي خلاف ذلك، ثم قال: ولا مانع أن تكون قصة الزبير وخصمه وقعت في أثناء ذلك فيتناولها عموم الآية". فلعل هذا المعنى في كتابه "التهذيب"..
(٤) العجاب: ٢/ ٩٠٩.
(٥) تفسير ابن ابي حاتم (٥٥٦١): ص ٣/ ٩٩٤.
(٦) المحرر الوجيز: ١/ ٣٤٣.
(٧) صفوة التفاسير: ٢٦٢.
(٨) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٨٦.
(٩) معاني القرآن: ٢/ ٧٠.
(١٠) تفسير ابن كثير: ٢/ ٣٤٩.
(١١) أخرجه ابن المنذر (١٩٦١): ص ٢/ ٧٧٧.
(١٢) تفسير السمعاني: ١/ ٤٤٤.
(١٣) تفسير السعدي: ١٨٤.
(١٤) البيت من شواهد السمعاني في تفسيره: ١/ ٤٤٤، ولم أتعرف على قائله.
(١٥) تفسير السمعاني: ١/ ٤٤٤.
(١٦) صفوة التفاسير: ٢٦٢.
(١٧) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٨٦.