قوله تعالى: ﴿فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا﴾ [النساء: ٤]، "أي: فخذوا ذلك الشيء الموهوب حلالاً طيباً" (١).
قال ابن عباس: " يقول: إذا كان من غير إضرار، ولا خديعة، فهو هنيء مريء، كما قال الله جل وعز " (٢).
قال الزمخشري: " فإن وهبن لكم شيئا من الصداق وتجافت عنه نفوسهن طيبات غير مخبثات بما يضطرهن إلى الهبة من شكاسة أخلاقكم وسوء معاشرتكم فكلوه فأنفقوه. قالوا: فإن وهبت له ثم طلبت منه بعد الهبة، علم أنها لم تطب منه نفسا (٣).
قال ابن كثير: " ومضمون كلامهم: أن الرجل يجب عليه دفع الصداق إلى المرأة حَتمًا، وأن يكون طيب النفس بذلك، كما يمنح المنيحة ويعطي النحلة طيبًا بها، كذلك يجب أن يعطي المرأة صداقها طيبا بذلك، فإن طابت هي له به بعد تسميته أو عن شيء منه فليأكله حلالا طيبًا" (٤).
قال أهل العلم: " «المريء»، يقال: مرئ الطعام: إذا انهضم، وحمدت عاقبته" (٥).
وفي "الهنيء" ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه ما تؤمن عاقبته (٦).
والثاني: ما أعقب نفعا وشفاء (٧).
والثالث: أنه الذي لا ينغصه شيء (٨).
قال الطبري: " وأما قوله: ﴿هنيئًا﴾، فإنه مأخوذ من: «هنأت البعير بالقَطِران»، إذا جَرِب فعُولج به" (٩)، قال الشاعر (١٠):
مُتَبَذِّلا تَبْدُو مَحَاسِنُهُ | يَضَعُ الهِنَاء مَوَاضِعَ النُّقْبِ (١١) |
أخرج ابن أبي حاتم (١٣)، وابن المنذر (١٤)، عن علي-عليه السلام-: "إذا اشتكى أحدكم شيئا، فليسأل امرأته ثلاثة دراهم أو نحو ذلك فليبتع عسلا، ثم يأخذ ماء السماء، فيجتمع هنيئا مريئا، وشفاء، ومباركا".
(٢) أخرجه ابن المنذر (١٣٤٦): ص ٢/ ٥٦٠.
(٣) الكشاف: ١/ ٤٧٠.
(٤) تفسير ابن كثير: ٢/ ٢١٣.
(٥) زاد المسير: ١/ ٣٧٠.
(٦) انظر: زاد المسير: ١/ ٣٧٠.
(٧) انظر: تفسير الطبري: ٧/ ٥٥٩، والنكت والعيون: ٢/ ٤٥١.
(٨) انظر: زاد المسير: ١/ ٣٧٠.
(٩) تفسير الطبري: ٧/ ٥٥٩.
(١٠) الشعر والشعراء ٣٠٢، والأغاني ١٠: ٢٢، واللسان (نقب)، وغيرها، من أبياته التي قالها حين مر بالخنساء بنت عمرو بن الشريد، وهي تهنأ بعيرًا لها، وقد تبذلت حتى فرغت منه، ثم نضت عنها ثيابها فاغتسلت، ودريد يراها وهي لا تشعر به، فأعجبته، فانصرف إلى رحله يقول:
حَيُّوا تُمَاضِرَ وَارْبعُوا صَحْبى | وَقِفُوا، فَإِنَّ وُقُوفَكُمْ حَسْبى |
أَخُنَاسَ، قَدْ هَامَ الفُؤَادُ بكُمْ | وأصابَهُ تَبْلٌ مِنَ الحُبِّ |
مَا إِنْ رَأَيْتُ وَلا سَمِعْتُ بِه | كاليَوْمَ طَالِيَ أَيْنقٍ جُرْبِ |
مُتَحَسِّرًا نَضَحَ الهِنَاءُ بِه | نَضْحَ العَبِيرِ برَيْطَةِ العَصْبِ |
(١١) قال الزجاج: " والنقبة: وجمعها نقب سراويل تلبسه المرأة بلا رجلين، ويقال فلانة حسنة
النقبة والنقاب، ويقال في فلان مناقب جميلة، وهو حسن النقيبة، أي حسن
الخليقة، ويقال كلب نقيب، وهو أن تنقب حنجرة الكلب لئلا يرتفع صوته في نباحه، وإنما يفعل ذلك البخلاء من العرب لئلا يطرقهم ضيف بسماع نباح الكلاب". [معاني القرآن: ٢/ ١٥٨].
(١٢) المحرر الوجيز: ٢/ ٩.
(١٣) تفسير ابن أبي حاتم (٤٧٧٩): ص ٣/ ٨٦٢.
(١٤) تفسير ابن المنذر (١٣٤٧): ص ٢/ ٥٦٠.