في سبب نزول الآية وجهان:
أحدهما: إنها نزلت في المنافقين وإنما جمع منهم في الخطاب من جهة الجنس والسبب ومن جهة الإيمان (١).
أخرج ابن ابي حاتم عن بكير بن معروف عن مقاتل: "قوله: ﴿قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا﴾، قال عدو الله عبد الله بن أبي: ﴿قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا﴾، فيصيبني مثل الذي أصابهم من البلاء والشدة" (٢).
قال مقاتل بن سليمان: " نزلت في عبد الله بن أبي بن ملك بن أبي عوف بن الخزرج رأس المنافقين" (٣).
واخرج الطبري عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " ﴿وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة﴾، إلى قوله: ﴿فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا﴾، ما بين ذلك في المنافقين" (٤).
والثاني: وقال البعض: أنها نزلت في المؤمنين، لأن الله خاطبهم بقوله: ﴿وإن منكم﴾، وقد فرق الله بين المؤمنين والمنافقين بقوله: ﴿مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ﴾ [المجادلة: ١٤] (٥).
قال الماتريدي: " قوله: ﴿منكم﴾ يحتمل وجوها:
يحتمل: في الظاهر منكم.
ويحتمل: في الحكم منكم.
ويحتمل: في الدعوى؛ لأنهم كانوا يدعون أنهم منا، ويظهرون الموافقة للمؤمنين، وإن كانوا -في الحقيقة- لم يكونوا" (٦).
والراجح-والله أعلم- انها نزلت في المنافقين، وهذا قول اكثر المفسرين (٧).
قال القرطبي: " وقيل: المراد بقوله ﴿وإن منكم لمن ليبطئن﴾ بعض المؤمنين، لأن الله خاطبهم بقوله: ﴿وإن منكم﴾، وقد فرق الله تعالى بين المؤمنين والمنافقين بقوله: ﴿وَمَا هُمْ مِنْكُمْ﴾ [التوبة: ٥٦]، وهذا يأباه مساق الكلام وظاهره، وإنما جمع بينهم في الخطاب من جهة الجنس والنسب كما بينا لا من جهة الإيمان. هذا قول الجمهور وهو الصحيح" (٨).
قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ﴾ [النساء: ٧٢]، أي: " وإنَّ منكم لنفرًا يتأخر عن الخروج لملاقاة الأعداء متثاقلا ويثبط غيره عن عمد وإصرار" (٩).
قال مقاتل بن جيان: " يقول: وإن منكم لمن ليتخلفن عن الجهاد" (١٠).
قال مقاتل بن سليمان: " يعني: ليتخلفن النفر" (١١).
قال الزجاج: " أي: ممن أظهر الإيمان لمن يبطى عن القتال" (١٢).
عن مجاهد قوله: ﴿وإن منكم لمن ليبطئن﴾، قال: في المنافق" (١٣).
قال السمعاني: " أي: ليتأخرن، والبطء: التأخير. وقيل: هذا في عبد الله بن أبي بن سلول" (١٤).
قال الواحدي: " أيْ: ليتخلفنَّ ويتثاقلنَّ عن الجهاد وهم المنافقون وجعلهم من المؤمنين من حيث إنَّهم أظهروا كلمة الإِسلام فدخلوا تحت حكمهم في الظَّاهر" (١٥).
قال السمرقندي: " أي: وإن منكم من يتثاقل ويتخلف عن الجهاد، يعني المنافقين، فهذا الخطاب للمؤمنين، فكأنه يقول: إن فيكم منافقين يتثاقلون ويتخلفون عن الجهاد" (١٦).

(١) انظر: تفسير الثعلبي: ٣/ ٣٤٣.
(٢) تفسير ابن ابي حاتم (٥٥٩١): ص ٣/ ٩٩٩.
(٣) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٨٨.
(٤) تفسير الطبري (٩٩٣٥): ص ٨/ ٥٣٨.
(٥) انظر: تفسير الثعلبي: ٣/ ٣٤٣، وتفسير القرطبي: ٥/ ٢٧٦.
(٦) تفسير الماتريدي: ٣/ ٢٥٢.
(٧) انظر: تفسير الثعلبي: ٣/ ٣٤٣.
(٨) تفسير القرطبي: ٥/ ٢٧٦.
(٩) التفسير الميسر: ٨٩.
(١٠) أخرجه ابن أبي حاتم (٥٥٨٨): ص ٣/ ٩٩٩.
(١١) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٨٨.
(١٢) معاني القرآن: ٢/ ٧٥.
(١٣) أخرجه ابن أبي حاتم (٥٥٨٧): ص ٣/ ٩٩٩.
(١٤) تفسير السمعاني: ١/ ٤٤٧.
(١٥) الوجيز: ٢٧٤.
(١٦) تفسير السمرقندي: ١/ ٣١٦.


الصفحة التالية
Icon