قال الثعلبي: " أي ليثاقلن ويتخلفن عن الجهاد والغزو. وقيل: معناه ليصدقن غيره، وهو عبد الله بن أبي المنافق" (١).
قال الزمخشري: " والخطاب لعسكر رسول الله ﷺ والمبطئون منهم المنافقون لأنهم كانوا يغزون معهم نفاقا. ومعنى ﴿ليبطئن﴾، ليتثاقلن وليتخلفن عن الجهاد وبطأ. بمعنى: أبطأ كعتم بمعنى: أعتم، إذا أبطأ، ويجوز أن يكون منقولا من بطؤ، نحو؟ ثقل من ثقل، فيراد ليبطئن غيره وليثبطنه عن الغزو، وكان هذا ديدن المنافق عبد الله ابن أبى، وهو الذي ثبط الناس يوم أحد" (٢).
قال الراغب: " البطء والريث والأناة والثبات واللبث تتقارب، ولكن الثبات يقتضي الزوال، ويقالان متعديين عن بطء تقول يبطئن أي يثبط غيره. وقيل: يكثر هو التثبيط في نفسه. بيّن تعالى أن قوما بعد فيكم ومنكم أي يتأخرون عن الحرب أو يؤخرون غيرهم" (٣).
قال الماتريدي: "قيل: إن المنافقين كانوا يبطئون الناس عن الجهاد ويتخلفون؛ كقوله - تعالى -: ﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الأحزاب: ١٨]، كانوا يسرون ذلك ويضمرونه، فأطلع الله - عز وجل - نبيه - ﷺ - على ذلك؛ ليعلموا أنه إنما عرف ذلك بالله تعالى، وفيه دلالة إثبات رسالة محمد - ﷺ –" (٤).
وقرئ: ﴿ليبطئن﴾، بالتخفيف (٥).
قوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ﴾ [النساء: ٧٢]، أي: " فإن قُدِّر عليكم وأُصِبتم بقتل وهزيمة" (٦).
عن مقاتل قوله: " ﴿فإن أصابتكم مصيبة﴾، من العدو وجهد من العيش" (٧).
قال مقاتل بن سليمان: " يعني: بلاء من العدو أو شدة من العيش" (٨).
قوله تعالى: ﴿قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا﴾ [النساء: ٧٢]، "أي: قال ذلك المنافق مستبشرا: قد تفضَّل الله عليَّ إِذ لم أشهد الحرب معهم فأُقتل ضمن من قتلوا" (٩).
قال قتادة: " هذا قول مكذب" (١٠).
قال مقاتل: " قال المنافق: ﴿قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا﴾، يعني: شاهدا فيصيبني من البلاء ما أصابهم" (١١).
قال الزجاج: " أي: لم أشركهم في مصيبتهم" (١٢).
قال الثعلبي: " أي: حاضرا في تلك الغزاة فيصيبني مثل ما أصابهم" (١٣).
قال القرطبي: " ﴿قال قد أنعم الله علي﴾، يعني: بالقعود وهذا لا يصدر إلا من منافق، لا سيما في ذلك الزمان الكريم، بعيد أن يقول مؤمن" (١٤).
الفوائد:
١ - أن الله تعالى امر عباده بالتعجيل والمسارعة في الخيرات.
٢ - فضيلة الجهاد في سبيل الله.
٣ - إن من أبطأ يبطئ غيره بإبطائه إذ يكون قدوة في ذلك.
القرآن
(٢) الكشاف: ١/ ٥٣٢ - ٥٣٣
(٣) تفسير الراغب الاصفهاني: ٢/ ١٣١٩.
(٤) تفسير الماتريدي: ٣/ ٢٥٢.
(٥) انظر: الكشاف: ١/ ٥٣٢.
(٦) التفسير الميسر: ٨٩.
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم (٥٥٨٩): ص ٣/ ٩٩٩.
(٨) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٨٨.
(٩) صفوة التفاسير: ٣٦٥، والتفسير الميسر: ٨٩.
(١٠) أخرجه ابن أبي حاتم (٥٥٩٠): ص ٣/ ٩٩٩.
(١١) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٨٨.
(١٢) معاني القرآن: ٢/ ٧٦.
(١٣) تفسير الثعلبي: ٣/ ٣٤٣.
(١٤) تفسير القرطبي: ٥/ ٢٧٦.