قال الزمخشري: " رغب الله المؤمنين ترغيبا وشجعهم تشجيعا بإخبارهم أنهم إنما يقاتلون في سبيل الله. فهو وليهم وناصرهم" (١).
قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ﴾ [النساء: ٧٦]،
قال ابن كثير: أي: " والكافرون يقاتلون في طاعة الشيطان" (٢).
قال الطبري: أي: " والذين جحدوا وحدانية الله وكذبوا رسوله وما جاءهم به من عند ربهم ﴿يقاتلون﴾ في طاعة الشيطان وطريقه ومنهاجه الذي شرعه لأوليائه من أهل الكفر بالله" (٣).
قال مقاتل: " ﴿في سبيل الطاغوت﴾، يعني: في طاعة الشيطان" (٤).
قال التستري: " والمنافقون خصماء النفوس على الله عز وجل، يبتدرون إلى السؤال ولا يرضون بما يختار الله لهم وهو سبيل الطاغوت، إذ النفس أكبر الطواغيت، إذا خلا العبد معها، قيل له عن المعصية" (٥).
قال الزجاج: " الطاغوت الشيطان، وكل معبود من دون الله فهو طاغوت، والدليل على أن الطاغوت الشيطان قوله: ﴿وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء: ٦٠] " (٦).
قال الراغب: " الطاغوت عام في كل ما شغل عن الله، والمراد به وبالشيطان واحد" (٧).
والقول بأن «الطاغوت» ههنا هو «الشيطان»، قول عامة المفسرين (٨).
قوله تعالى: ﴿فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ﴾ [النساء: ٧٦]،
قال البغوي: " أي: حزبه وجنوده وهم الكفار" (٩).
قال السمعاني: " أي: الكفار" (١٠).
قال ابن عباس: "يريد جند الأصنام" (١١).
قال الطبري: " يقول الله، مقوِّيًا عزم المؤمنين به من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحرِّضهم على أعدائه وأعداء دينه من أهل الشرك به: ﴿فقاتلوا﴾ أيها المؤمنون، الذين يتولَّون الشيطان ويطيعون أمره، في خلاف طاعة الله، والتكذيب به" (١٢).
قال مقاتل: " ﴿أولياء الشيطان﴾، يعني: المشركين بمكة" (١٣).
قال الزمخشري: أي: " وأعداء المؤمنين يقاتلون في سبيل الشيطان، فلا ولى لهم إلا الشيطان" (١٤).
قوله تعالى: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ [النساء: ٧٦]،
قال مقاتل: " يعني: إن مكر الشيطان ﴿ضعيفا﴾، يعني: واهنا، كقوله- سبحانه-: ﴿مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ﴾ (١٥)، يعني: مضعف كيد الكافرين. فسار النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى مكة ففتحها وجعل الله- عز وجل- للمستضعفين مخرجا" (١٦).
قال البغوي: " أي مكره كان ضعيفا، كما فعل يوم بدر لما رأى الملائكة خاف أن يأخذوه فهرب وخذلهم" (١٧).
قال ابن عباس: "يعني: خذلانه إياهم يوم بدر، قتلوا ببدر" (١٨).
قال الطبري: " يعني بـ «كيد الشيطان»: ما كاد به المؤمنين، من تحزيبه أولياءه من الكفار بالله على رسوله وأوليائه أهل الإيمان به. يقول: فلا تهابوا أولياء الشيطان، فإنما هم حزبه وأنصاره، وحزب الشيطان أهل وَهَن وضعف" (١٩).
قال السمعاني: " قيل: ﴿كان ضعيفا﴾، بمعنى: أنه لا يرد أحدا عن الإسلام والهداية، وقيل: أراد به أن كيده كان ضعيفا يوم بدر، حين رأى الملائكة، وخاف أن يأخذوه، فهرب، فكيده ضعيف بأحد هذين المعنيين" (٢٠).
قال الزمخشري: أي: " وكيد الشيطان للمؤمنين إلى جنب كيد الله للكافرين أضعف شيء وأوهنه" (٢١).
قال البيضاوي: " لما ذكر مقصد الفريقين أمر أولياءه أن يقاتلوا أولياء الشيطان ثم شجعهم بقوله: إن كيد الشيطان كان ضعيفا أي إن كيده للمؤمنين بالإضافة إلى كيد الله سبحانه وتعالى للكافرين، ضعيف لا يؤبه به فلا تخافوا أولياءه، فإن اعتمادهم على أضعف شيء وأوهنه" (٢٢).
قال الواحدي: " معنى الكيد: السعي في فساد الحال على جهة الاحتيال، يقال: كاده يكيده كيدًا، إذا عمل في إيقاع الضرر به على جهة الحيلة عليه" (٢٣).
وفائدة إدخال كان في قوله: ﴿كانَ ضَعِيفًا﴾، "التأكيد لضعف كيده، وذلك أنَّ كان يدلُّ على لزوم الضعف كيده، خلاف العارض الذي لم يكن ثم كان، وكيده مما يلزمه صفة الضعف، وليس عارضة فيه، بدلالة كان على هذا المعنى" (٢٤).
قال الراغب: " ونبه بقوله ﴿إن كيد الشيطان كان ضعيفا﴾، على ضعف أوليائه، ووصف كيده بالضعف إذ لا بطش له، وإنما سلطانه بين باطل، ولضعفه في الحقيقة قال تعالى حاكيا عنه: ﴿وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي﴾ [إبراهيم: ٢٢]، الآية" (٢٥).
الفوائد:
١ - أن الشيطان يدفع أولياءَه ويجندهم إلى حرب المسلمين وقتالهم، قال تعالى: ﴿والَّذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت﴾.
٢ - أن كل ما عبد من دون الله، فهو طاغوت. ولا تنفع عبادة الله إلا بشرط اجتناب عبادة ما سواه.
٣ - أن الجن والشياطين كالإنس فيهم جوانب قوة، وجوانب ضعف، قال تعالى: ﴿إنَّ كيد الشَّيطان كان ضعيفاً﴾، لأن كيد إبليس تسويل بلا حجة والحجج ترده، ولهذا كان ضعيفا، فلما مالت الطباع إليه آثر وفعل.
القرآن
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (٧٧)﴾ [النساء: ٧٧]
التفسير:
ألم تعلم -أيها الرسول- أمر أولئك الذين قيل لهم قبل الإذن بالجهاد: امنعوا أيديكم عن قتال أعدائكم من المشركين، وعليكم أداء ما فرضه الله عليكم من الصلاة، والزكاة، فلما فرض عليهم القتال إذا جماعة منهم قد تغير حالهم، فأصبحوا يخافون الناس ويرهبونهم، كخوفهم من الله أو أشد، ويعلنون عما اعتراهم من شدة الخوف، فيقولون: ربنا لِمَ أَوْجَبْتَ علينا القتال؟ هلا أمهلتنا إلى وقت قريب، رغبة منهم في متاع الحياة الدنيا، قل لهم -أيها الرسول-: متاع الدنيا قليل، والآخرة وما فيها أعظم وأبقى لمن اتقى، فعمل بما أُمر به، واجتنب ما نُهي عنه. لا يظلم ربك أحدًا شيئًا، ولو كان مقدار الخيط الذي يكون في شق نَواة التمرة.
في سبب نزول الآية أقوال:
أحدها: أخرج الطبري (٢٦)، والنسائي (٢٧)، والفاكهي (٢٨)، والحسن بن سفيان (٢٩)، وابن أبي حاتم (٣٠)، والحاكم (٣١)، والواحدي (٣٢)، عن عكرمة، عن ابن عباس: "أن عبد الرحمن بن عوف وأصحابًا له أتوا النبي
(٢) تفسير ابن كثير: ٢/ ٣٥٨.
(٣) تفسير الطبري: ٨/ ٥٤٦.
(٤) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٨٩.
(٥) تفسير التستري: ٥٤.
(٦) معاني القرىن: ٢/ ٧٨.
(٧) تفسير الراغب الاصفهاني: ٣/ ١٣٢٦.
(٨) انظر: تفسير الطبري ٨/ ٥٤٦، وتفسير الهواري: ١/ ٣٩٩، وبحر العلوم: ١/ ٣٦٨، والكشف والبيان: ٣/ ٣٤٥، ومعالم التنزيل: ٢/ ٢٥٠، وزاد المسير: ٢/ ١٣٣.
(٩) تفسير البغوي: ١/ ٦٦٣.
(١٠) تفسير السمعاني: ١/ ٤٤٨.
(١١) تنوير المقباس بهامش المصحف: ٩٠.
(١٢) تفسير الطبري: ٨/ ٥٤٦.
(١٣) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٨٩.
(١٤) الكشاف: ١/ ٥٣٥.
(١٥) [سورة الأنفال: ١٨].
(١٦) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٨٩.
(١٧) تفسير البغوي: ١/ ٦٦٣.
(١٨) تنوير المقباس بهامش المصحف: ٩٠.
(١٩) تفسير الطبري: ٨/ ٥٤٧.
(٢٠) تفسير السمعاني: ١/ ٤٤٨.
(٢١) الكشاف: ١/ ٥٣٥.
(٢٢) تفسير البيضاوي: ٢/ ٨٥.
(٢٣) التفسير البسيط: ٦/ ٦٠٤.
(٢٤) التفسير البسيط للواحدي: ٦/ ٦٠٥.
(٢٥) تفسير الراغب الاصفهاني: ٣/ ١٣٢٦.
(٢٦) انظر: تفسير الطبري (٩٩٥٢): ص ٨/ ٥٤٩.
(٢٧) في "المجتبى" (٦/ ٢، ٣)، وفي "الكبرى" (٣/ ٣ رقم ٤٢٩٣، ٦/ ٣٢٥ رقم ١١١١٢).
(٢٨) في أخبار مكة، كما في العجاب: ٢/ ٩١٧.
(٢٩) انظر: العجاب: ٢/ ٩١٧.
(٣٠) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٥٦٣٠): ص ٣/ ١٠٠٥.
(٣١) في "المستدرك" (٢/ ٦٧ رقم ٣٠٧) -وعنه البيهقي في "السنن الكبرى" (٩/ ١١).
(٣٢) انظر: أسباب النزول: ١٦٧.