قال السدي: " والسيئة: الجدب والضرر في أموالهم وتأشموا بمحمد صلى الله عليه وسلم، قالوا: هذه من عندك، يقولون: بتركنا ديننا واتباع محمد أصابنا هذا البلاء، فأنزل الله تعالى: ﴿قل كل من عند الله﴾ " (١).
عن ابن وهب قال: "قال ابن زيد في قوله: ﴿وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك﴾، فقرأ حتى بلغ: ﴿وأرسلناك للناس رسولا﴾، قال: إن هذه الآيات نزلت في شأن الحرب. فقرأ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا﴾، فقرأ حتى بلغ: ﴿وإن تصبهم سيئة﴾، يقولوا: هذه من عند محمد عليه السلام، أساء التدبير وأساء النظر! ما أحسن التدبير ولا النظر " (٢).
في القائلين ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِندِ اللهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِندِكَ﴾ [النساء: ٧٨]، قولان:
أحدهما: أنهم المنافقون، وهو قول الحسن (٣)، واختيار ابن عطية (٤).
والثاني: اليهود، وهو قول الزجاج (٥).
قال الزجاج: " قيل كانت إليهود - لعنت - تشاءمت برسول الله - ﷺ - عند دخوله المدينة فقالت: منذ دخل المدينة نقصت ثمارنا وغلت أسعارنا، فأعلم الله عز وجل أن الخصب والجدب من عند الله" (٦).
قال ابن عطية: " و «الهاء والميم» في قوله: ﴿وإن تصبهم﴾، رد على الذين قيل لهم، ﴿كفوا أيديكم﴾، وهذا يدل على أنهم المنافقون، لأن المؤمنين لا تليق بهم هذه المقالة، ولأن اليهود لم يكونوا للنبي عليه السلام تحت أمر، فتصيبهم بسببه أسواء" (٧).
وفي «الحسنة والسيئة» ها هنا، أربعة وجوه:
أحدها: السراء والضراء. وهذا قول أبي العالية (٨).
والثاني: النعم والمصائب. وهو قول قتادة (٩).
والثالث: النعم والابتلاء. وهذا معنى قول ابن عباس (١٠).
والثالث: النصر والهزيمة، وهو قول الحسن (١١)، وابن زيد (١٢).
والرابع: الخصب والجذب. وهذا قول الزجاج (١٣).
قال ابن عطية: " وهذا كله شيء واحد" (١٤).
قال الزمخشري: " السيئة: تقع على البلية والمعصية. والحسنة: على النعمة والطاعة. قال الله تعالى: ﴿وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٨]، وقال: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ [هود: ١١٤] " (١٥).
وفي قوله: ﴿مِنْ عِندِكَ﴾ [النساء: ٧٨]، تأويلان:
أحدهما: أي بسوء تدبيرك، وهو قول ابن زيد (١٦).
والثاني: يعنون بالشؤم الذي لحقنا منك على جهة التطُّير به، وهذا قول الزجاج (١٧)، ومثله قوله تعالى: ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ﴾ [الأعراف: ١٣١].

(١) أخرجه ابن ابي حاتم (٥٦٤٩): ص ٣/ ١٠٠٩.
(٢) أخرجه الطبري (٩٩٦٤): ص ٨/ ٥٥٦.
(٣) انظر: النكت والعيون: ١/ ٥٠٩.
(٤) انظر: المحرر الوجيز: ٢/ ٨١.
(٥) انظر: معاني القرآن: ٢/ ٧٩.
(٦) معاني القرآن: ٢/ ٧٩.
(٧) المحرر الوجيز: ٢/ ٨١.
(٨) انظر: تفسير الطبري (٩٩٦٢)، و (٩٩٦٣): ص ٨/ ٥٥٥ - ٥٥٦.
(٩) انظر: تفسير الطبري (٩٩٦٥): ٨/ ٥٥٦ - ٥٥٧.
(١٠) انظر: تفسير الطبري (٩٩٦٧): ٨/ ٥٥٧.
(١١) انظر: النكت والعيون: ١/ ٥٠٩.
(١٢) انظر: تفسير الطبري (٩٩٦٤): ص ٨/ ٥٥٦.
(١٣) انظر: معاني القرآن: ٢/ ٧٩.
(١٤) المحرر الوجيز: ٢/ ٨١.
(١٥) الكشاف: ١/ ٥٣٨.
(١٦) انظر: تفسير الطبري (٩٩٦٤): ص ٨/ ٥٥٦.
(١٧) انظر: معاني القرآن: ٢/ ٧٩.


الصفحة التالية
Icon