٣ - وقد يحتج بعض الناس للقدرية النفاة بقوله تعالى: ﴿ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك﴾ [النساء: ٧٩]، ويظنون أن المراد بالحسنات والسيئات في هذه الآية الطاعات والمعاصي.
وهؤلاء أخطؤوا الفهم، فالمراد بالحسنات هنا النعم، والمراد بالسيئات المصائب، يدلنا على صحة هذا الفهم سياق النص. قال تعالى: ﴿أينما تكنوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كلٌ من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً - ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك﴾ [النساء: ٧٨ - ٧٩].
فالله يحكي عن المنافقين أنهم كانوا إذا أصابتهم حسنة مثل الرزق والنصر والعافية، قالوا: هذه من الله، وإذا أصابتهم سيئة - مثل ضَرْبٍ ومرض وخوف من عدو - قالوا: هذه من عندك يا محمد. أنت الذي جئت بهذا الدين الذي عادانا الناس لأجله، وابتلينا لأجله بهذه المصائب.
فالحسنات هنا النعم، والسيئات المصائب، وهذه كقوله تعالى: (إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً) [آل عمران: ١٢٠]، وقوله: (وبلونهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون) [الأعراف: ١٨٦].
٤ - أن المصائب والنعم لا تخرج عن قدر الله ومشيئته، قال تعالى: ﴿قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً﴾ [النساء: ٧٨].
القرآن
﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (٧٩)﴾ [النساء: ٧٩]
التفسير:
ما أصابك -أيها الإنسان- مِن خير ونعمة فهو من الله تعالى وحده، فضلا وإحسانًا، وما أصابك من جهد وشدة فبسبب عملك السيئ، وما اقترفته يداك من الخطايا والسيئات. وبعثناك -أيها الرسول- لعموم الناس رسولا تبلغهم رسالة ربك، وكفى بالله شهيدًا على صدق رسالتك.
قوله تعالى: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ [النساء: ٧٩]، أي: " أي ما أصابك يا إِنسان من نعمة وإِحسان فمن الله تفضلاً منه وإِحساناً وامتناناً وامتحانا" (١).
قال الحسن: " ما أصابك من نعمة فمن الله " (٢).
قال ابن عباس في رواية عطية: " هذا يوم أحد" (٣).
وعن ابن عباس في رواية علي بن ابي طلحة: "ما فتح الله عليك يوم بدر" (٤). وروي عن الضحاك نحو ذلك (٥).
قال مقاتل: " يعني: الفتح والغنيمة يوم بدر فمن الله كان" (٦).
قال الزجاج: " أي: ما أصبتم من غنيمة أو أتاكم من خصب فمن تفضل الله" (٧).
قال الطبري: أي: "، ما يصيبك، يا محمد، من رخاء ونعمة وعافية وسلامة، فمن فضل الله عليك، يتفضل به عليك إحسانًا منه إليك" (٨).
واختلف في المراد بهذا الخطاب على ثلاثة أقاويل.
أحدها: أن الخطاب متوجه إلى النبي ﷺ - وهو المراد به. وهذا قول ابن عباس في رواية علي بن أبي طلحة (٩).
والثاني: أنه متوجه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- والمراد به غيره، وهو قول الزجاج (١٠).
(٢) أخرجه ابن المنذر (٢٠٢٧): ص ٢/ ٧٩٩.
(٣) أخرجه ابن ابي حاتم (٥٦٥٢): ص ٣/ ١٠٠٩.
(٤) أخرجه ابن ابي حاتم (٥٦٥٣): ص ٣/ ١٠١٠.
(٥) انظر: تفسير ابن المنذر (٢٠٢٦): ص ٢/ ٧٩٩، وتفسير ابن ابي حاتم (٥٦٥٣): ص ٣/ ١٠١٠.
(٦) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٩١.
(٧) معاني القرآن: ٢/ ٨٠.
(٨) تفسير الطبري: ٨/ ٥٥٨.
(٩) انظر: تفسير الطبري (٩٩٧٠): ص ٨/ ٥٥٨
(١٠) انظر: معاني القرآن للزجاج: ٢/ ٧٩.