قال الزمخشري: "وروى أنه قال: «من أحبنى فقد أحب الله، ومن أطاعنى فقد أطاع الله» (١)، فقال المنافقون: ألا تسمعون إلى ما يقول هذا الرجل، لقد قارف الشرك وهو ينهى أن يعبد غير الله! ما يريد هذا الرجل إلا أن نتخذه ربا كما اتخذت النصارى عيسى، فنزلت " (٢).
والثاني: أنها نزلت في اليهود.
قال ابن عطية: " قالت فرقة: سبب هذه الآية أن رسول الله ﷺ قال: «من أحبني فقد أحب الله» (٣)، فاعترضت اليهود عليه في هذه المقالة، وقالوا: هذا محمد يأمر بعبادة الله وحده، وهو في هذا القول مدع للربوبية، فنزلت هذه الآية تصديقا للرسول عليه السلام، وتبيينا لصورة التعلق بينه وبين فضل الله تعالى" (٤).
قوله تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النساء: ٨٠]، أي: " من يستجب للرسول صلى الله عليه وسلم، ويعمل بهديه، فقد استجاب لله تعالى وامتثل أمره" (٥).
قال الزجاج: " أي: من قبل ما أتى به الرسول فإنما قبل ما أمر الله به" (٦).
قال التستري: " يعني: من يطع الرسول ﷺ في سنته فقد أطاع الله في فرائضه" (٧).
قال الحسن: "جعل الله طاعة رسوله طاعته، وقامت به الحجة على المسلمين" (٨).
قال السمرقندي: " يعني: من يطع الرسول فيما أمره فقد أطاع الله، لأن النبي ﷺ كان يدعوهم بأمر الله تعالى، وفي طاعة الله تعالى" (٩).
قال ابن كثير: " يخبر تعالى عن عبده ورسوله محمد ﷺ بأنه من أطاعه فقد أطاع الله، ومن عصاه فقد عصى الله، وما ذاك إلا لأنه ما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى" (١٠).
قال الماتريدي: " لأن الله - تعالى - أمر بطاعة الرسول، فإذا أطاع رسوله - ﷺ - فقد أطاع الله - تعالى - لأنه اتبع أمره؛ ألا ترى أنه قال - عز وجل -: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [المائدة: ٩٢، والتغابن: ٦٤]، وحتى جعل طاعة الرسول من شرط الإيمان بقوله - عز وجل -: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ [النساء: ٦٥] الآية،... فطاعة الله - تعالى - إنما تكون في اتباع أمره، وانتهاء مناهيه، وكذلك حبه إنما يكون في اتباع أمره ونواهيه؛ كقوله - تعالى -: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران: ٣١] " (١١).
قال الشافعي: " أبان لهم أنَّ ما قبلوا عن نبيه - ﷺ -، فعنه جل ثناؤه قبلوا بما فرض من طاعة رسوله في غير موضع من كتابه" (١٢).
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني» " (١٣).
وأخرج ابن المنذر عن ابن عمر، قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألستم تعلمون أني رسول الله إليكم "؟ قالوا: بلى نشهد أنك رسول الله، قال: «ألستم تعلمون أن الله أنزل في كتابه أنه من أطاعني فقد أطاع الله؟ »، قالوا: بلى، نشهد أنه من أطاعك فقد أطاع الله، قال: «فإن من طاعة الله أن تطيعوني، وإن من طاعتي أن تطيعوا أئمتكم، وإن صلوا قعودا، فصلوا قعودا أجمعين» " (١٤).
(٢) الكشاف: ١/ ٥٣٩.
(٣) سبق تخريجه.
(٤) المحرر الوجيز: ٢/ ٨٢.
(٥) التفسير الميسر: ٩٠.
(٦) معاني القرآن: ٢/ ٨٠.
(٧) تفسير التستري: ١٨.
(٨) الوجيز للواحدي: ٢/ ٨٤.
(٩) تفسير السمرقندي: ١/ ٣٢٠.
(١٠) تفسير ابن كثير: ٢/ ٣٦٤.
(١١) تفسير الماتريدي: ٣/ ٣٦٩.
(١٢) تفسير الإمام الشافعي: ٢/ ٦٢٣.
(١٣) تفسير ابن أبي حاتم (٥٦٦٤): ص ٣/ ١٠١١، وأخرجه البخاري كتاب الجهاد ٤/ ٦٠، ومسلم كتاب الاماره (١٨٣): ص ٦/ ١٣.
(١٤) تفسير ابن المنذر (٢٠٣٤): ص ٢/ ٨٠١.