أتوني فلم أرض ما بيّتوا وكانوا أتوْني بأمرٍ نُكُر
لأنْكِحَ أَيِّمَهُمْ مُنْذِرًا وَهَلْ يُنْكِحَ الْعَبْدَ حُرٌّ لِحُرْ؟ !
يعني بقوله: " فلم أرض ما بيتوا "، ليلا، أي: ما أبرموه ليلا وعزموا عليه، ومنه قول النمر بن تولب العُكْليّ (١):
هَبَّتْ لِتَعْذُلَنِي مِنَ اللَّيْل اسْمَعِ! سَفَهًا تُبَيِّتُكِ المَلامَةُ فَاهْجَعِي (٢)
قال الزمخشري: " التبييت: إما من البيتوتة لأنه قضاء الأمر وتدبيره بالليل، يقال: هذا أمر بيت بليل. وإما من أبيات الشعر، لأن الشاعر يدبرها ويسويها" (٣).
قال أبو رزين: "بيت أي: ألف. وقال غيره: بيت، أي: بدل" (٤)
قال السمعاني: "والأصح أنه من التبييت، وهو فعل الشيء ليلا، يقال: هذا أمر بيت ليلا، قيل: أي: فعل بالليل، ويجوز أن يقال لما فعل بالنهار: تبييتا؛ لأن الفعل بالليل إنما سمى تبييتا؛ لأن الإنسان بالليل يكون أفرغ لتدبير أمره، فعلى هذا المعنى يجوز أن يقال لما فعل بالنهار: تبييتا، قال الشاعر (٥):
بيتوا أمرهم بليل فلما أصبحوا أصبحوا على ضوضاء" (٦)
وفي تسمية العمل بالليل «بياتاً»، قولان (٧):
أحدهما: لأن الليل وقت المبيت.
والثاني: لأنه وقت البيوت.
وقرئ: ﴿بيت طائفة﴾، بالإدغام وتذكير الفعل، لأن تأنيث الطائفة غير حقيقى، ولأنها في معنى الفريق والفوج (٨).
قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ﴾ [النساء: ٨١]، أي: " والله يحصي عليهم ما يدبرون، وسيجازيهم عليه أتم الجزاء" (٩).
قال مقاتل: " يعني: الحفظة فيكتبون ما يقولون من الكذب" (١٠).
قال الطبري: أي: " والله يكتب ما يغيِّرون من قولك ليلا في كُتب أعمالهم التي تكتبها حَفَظته" (١١).
قال الواحدي: " أي: يحفظ عليهم ليجازوا به" (١٢).
قال الزمخشري: أي: " يثبته في صحائف أعمالهم، ويجازيهم عليه على سبيل الوعيد. أو يكتبه في جملة ما يوحى إليك فيطلعك على أسرارهم فلا يحسبوا أن إبطانهم يغنى عنهم" (١٣).
عن عطاء: "قوله: ﴿والله يكتب ما يبيتون﴾، قال: يغيرون ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم" (١٤).
وعن السدي: " قوله: ﴿والله يكتب ما يبيتون﴾، يقول: ما يقولون" (١٥).
وفي تفسير قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ﴾ [النساء: ٨١]، وجهان:
أحدهما: يكتبه في اللوح المحفوظ ليجازيهم عليه (١٦).
(١) انظر: مجاز القرآن لأبي عبيدة ١/ ١٣٣، والخزانة ١/ ١٥٣، والعيني (بهامش الخزانة) ٢/ ٥٣٦، وشرح شواهد المغني: ١٦١، وغيرها.
(٢) انظر: تفسير الطبري: ٨/ ٥٦٢ - ٥٦٣، ومعاني القرآن: ٢/ ٨١.
(٣) الكشاف: ١/ ٥٣٩.
(٤) تفسير السمعاني: ١/ ٤٥٢.
(٥) لم اجد البيت بهذا اللفظ، وانشد الحارث بن حلزة في معلقته نحوه: " أجْمَعُوا أمْرَهُمْ عِشَاءَ فلَمَّا.... أصْبَحُوا أَصْبَحَتْ لُهمْ ضَوْضَاءُ". انظر شرح المعلقات السبع للزوزني: ٨٤.
(٦) تفسير السمعاني: ١/ ٤٥٢.
(٧) انظر: النكت والعيون: ١/ ٥١٠.
(٨) انظر: الكشاف: ٤٠.
(٩) التفسير الميسر: ٩١.
(١٠) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٩٢.
(١١) تفسير الطبري: ٨/ ٥٦٤.
(١٢) الوجيز: ٢/ ٨٦.
(١٣) الكشاف: ١/ ٥٣٩.
(١٤) أخرجه ابن ابي حاتم (٥٦٥٧): ص ٣/ ١٠١٣.
(١٥) أخرجه ابن ابي حاتم (٥٦٥٨): ص ٣/ ١٠١٣.
(١٦) انظر: معاني القرآن: ٢/ ٨١، والنكت والعيون: ١/ ٥١٠


الصفحة التالية
Icon