وعزاه إلى ابن عباس، ولم يبد رأيه (١). وأما النحاس ومكي بن أبي طالب فلم يتعرضا هنا لدعوى النسخ أصلا.
الفوائد:
١ - أن من أبرز صفات المنافقين موالاة الكفار، وكراهية دين الله والتخذيل في صف المسلمين لذلك حين يبين الله حالهم للمؤمنين: كان لابد من مفاصلتهم والبراءة منهم ونزل في ذلك آيات توضح صور هذه المفاصلة وذلك البراء، منها: هذه الآية التي تشير إلى الإعراض عنهم.
٢ - فضيلة التوكل على الله جل ثناؤه، فلما أكثر المنافقون من الدس والكيد والرياء أمره الوكيل ـ سبحانه ـ أن يتوكل عليه ليكفيه أمرهم ويدفع عنه أذاهم وكل ما لا يقدر على دفعه بنفسه.
٣ - يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه «الوَكِيل»، وهذا ثابتٌ بالكتاب والسنة، وهو اسم من أسمائه، وهو هو المقيم الكفيل بأرزاق العباد، وحقيقته أنه يستقلُّ بأمر التوكل الموكَل إليه.
قال تعالى في آية أخرى: " ﴿حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيل﴾ [آل عمران: ١٧٣]، وقال الرسول-صلى الله عليه وسلم-: " "حسبنا الله ونعم الوَكِيل قالها إبراهيم ﷺ حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم" (٢).
القرآن
﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢)﴾ [النساء: ٨٢]
التفسير:
أفلا ينظر هؤلاء في القرآن، وما جاء به من الحق، نظر تأمل وتدبر، حيث جاء على نسق محكم يقطع بأنه من عند الله وحده؟ ولو كان مِن عند غيره لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا.
قوله تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾ [النساء: ٨٢]، أي: " أفلا ينظر هؤلاء في القرآن، وما جاء به من الحق، نظر تأمل وتدبر، حيث جاء على نسق محكم يقطع بأنه من عند الله وحده" (٣).
قال الزجاج: " يعنى به المنافقون" (٤).
عن الضحاك: " ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾، قال: النظر فيه" (٥).
قال البيضاوي: " يتأملون في معانيه ويتبصرون ما فيه" (٦).
قال الثعلبي: " يعني: أفلا يتفكرون في القرآن، فيرون بعضه يشبه بعضا، ويصدق بعضه بعضا، وإن أحدا من الخلائق لم يكن يقدر عليه فسيعلمون بذلك إنه من عند الله" (٧).
قال ابن أبي زمنين: " يقول: لو تدبروه، لم ينافقوا ولآمنوا" (٨).
قال ابن كثير: " يقول تعالى آمرًا عباده بتدبر القرآن، وناهيا لهم عن الإعراض عنه، وعن تفهم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة" (٩).
قال الطبري: أي: " أفلا يتدبر المبيتون غير الذي تقول لهم، يا محمد كتاب الله، فيعلموا حجّة الله عليهم في طاعتك واتباع أمرك، وأن الذي أتيتهم به من التنزيل من عند ربهم، لاتِّساق معانيه، وائتلاف أحكامه، وتأييد بعضه بعضًا بالتصديق، وشهادة بعضه لبعض بالتحقيق" (١٠).
وقال ابن عباس في رواية الكلبي عنه في هذه الآية: "أفلا يتفكرون في القرآن فيرون بعضه يُشبه بعضًا، ويصدق بعضه بعضًا، وأن أحدًا من الخلائق لم يكن يقدر عليه، فيسلمون بذلك أنه من عند الله" (١١).
قال الزمخشري: " تدبر الأمر: تأمله والنظر في إدباره وما يؤل إليه في عاقبته ومنتهاه، ثم استعمل في كل تأمل فمعنى تدبر القرآن: تأمل معانيه وتبصر ما فيه" (١٢).

(١) انظر: زاد المسير ٢/ ١٤٣.
(٢) رواه: البخاري (٤٥٦٣).
(٣) التفسير الميسر: ٩١.
(٤) معاني القرآن: ٢/ ٨٢.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم (٥٦٧٨): ص ٣/ ١٠١٣.
(٦) تفسير البيضاوي: ٢/ ٨٦.
(٧) تفسير الثعلبي: ٣/ ٣٥٠.
(٨) تفسير ابن أبي زمنين: ١/ ٣٩٠.
(٩) تفسير ابن كثير: ٢/ ٣٦٤.
(١٠) تفسير الطبري: ٨/ ٥٦٧.
(١١) تنوير المقباس" بهامش المصحف: ٩١، والتفسير البسيط للواحدي: ٦/ ٦٣٢.
(١٢) الكشاف: ١/ ٥٤٠.


الصفحة التالية
Icon