قال ابن عطية: ﴿لا رَيْبَ فِيهِ﴾، معناه: " لا ريب فيه في نفسه وحقيقة أمره، وإن ارتاب فيه الكفرة فغير ضائر" (١).
وفي تسمية القيامة قولان (٢):
أحدهما: لأن الناس يقومون فيه من قبورهم، قال تعالى: ﴿خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ﴾ [القمر: ٧].
والثاني: لأنهم يقومون فيه للحساب. قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [المطففين: ٦].
قال ان عطية: " القيامة: أصلها القيام، ولما كان قيام الحشر من أذل الحال وأضعفها إلى أشد الأهوال وأعظمها لحقته هاء المبالغة" (٣).
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾ [النساء: ٨٧]، أي: " ولا أحد أصدق من الله حديثًا فيما أخبر به" (٤).
قال الواحدي: " أَيْ: قولاً وخبراً يريد: أنَّه لا خُلفَ لوعده" (٥).
قال ابن عباس: "يريد موعدًا" (٦). أي: "لا يخلف لوعده" (٧).
قال مقاتل: " يقول: فلا أحد أصدق من الله حديثا إذا حدث يعني في أمر البعث" (٨).
قال ابن كثير: " أي: لا أحد أصدق منه في حديثه وخبره، ووعده ووعيده، فلا إله إلا هو، ولا رب سواه" (٩).
قال الطبري: يقول: " وأي ناطق أصدق من الله حديثًا؟ وذلك أن الكاذب إنما يكذب ليجتلب بكذبه إلى نفسه نفعًا، أو يدفع به عنها ضرًّا. والله تعالى ذكره خالق الضر والنفع، فغير جائز أن يكون منه كذب، لأنه لا يدعوه إلى اجتلاب نفع إلى نفسه أو دفع ضر عنها داعٍ" (١٠).
قال ابن عطية: " ظاهره الاستفهام ومعناه تقرير الخبر، تقديره:
لا أحد أصدق من الله تعالى، لأن دخول الكذب في حديث البشر إنما علته الخوف والرجاء أو سوء السجية، وهذه منفية في حق الله تعالى وتقدست أسماؤه، والصدق في حقيقته أن يكون ما يجري على لسان المخبر موافقا لما في قلبه، وللأمر المخبر عنه في وجوده" (١١).
قال الزمخشري: " لأنه عز وعلا صادق لا يجوز عليه الكذب. وذلك أن الكذب مستقل بصارف عن الإقدام عليه وهو قبحه. ووجه قبحه، الذي هو كونه كذبا وإخبارا عن الشيء بخلاف ما هو عليه، فمن كذب لم يكذب إلا لأنه محتاج إلى أن يكذب ليجر منفعة أو يدفع مضرة. أو هو غنى عنه إلا أنه يجهل غناه. أو هو جاهل بقبحه. أو هو سفيه لا يفرق بين الصدق والكذب في إخباره ولا يبالى بأيهما نطق، وربما كان الكذب أحلى على حنكه من الصدق. وعن بعض السفهاء أنه عوتب على الكذب فقال: لو غرغرت لهواتك به ما فارقته. وقيل لكذاب: هل صدقت قط؟ فقال: لولا أنى صادق في قولي «لا» لقلتها. فكان الحكيم الغنى الذي لا يجوز عليه الحاجات العالم بكل معلوم، منزها عنه، كما هو منزه عن سائر القبائح" (١٢).
وقرأ حمزة والكسائي: ﴿أصدق﴾، صاد ساكنة بعدها دال بإشمام الزاي (١٣).
الفوائد:
١ - إثبات يوم القيامة، وهو الركن الخامس من أركان الإيمان، إذ أن الله يجمع الخلق للجزاء والعرض والحساب، والثواب والعقاب.
(٢) انظر: معاني القرآن للزجاج: ٢/ ٨٧، والنكت والعيون: ١/ ٥١٤.
(٣) المحرر الوجيز: ٢/ ٨٨.
(٤) التفسير الميسر: ٩٢.
(٥) الوجيز: ٢٧٩.
(٦) التفسير البسيط للواحدي: ٧/ ٢٥.
(٧) التفسير البسيط للواحدي: ٧/ ٢٥.
(٨) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٩٤.
(٩) تفسير ابن كثير ٢/ ٣٧٠.
(١٠) تفسير الطبري: ٨/ ٥٩٣.
(١١) المحرر الوجيز: ٢/ ٨٨.
(١٢) الكشاف: ١/ ٥٤٥.
(١٣) انظر: تفسير البغوي: ٢/ ٢٥٨.