حكى ها هنا منع من موالاتهم حتى يهاجروا في سبيل الله، وهجرة سائر المؤمنين وهي ما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «المهاجر من هجر ما نهى الله عنه» (١) " (٢).
قوله تعالى: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ [النساء: ٨٩]، " أي: فإِن أعرضوا عن الهجرة في سبيل الله" (٣).
قال البغوي: " أعرضوا عن التوحيد والهجرة" (٤).
عن ابن عباس: " ﴿فإن تولوا﴾، قال: عن الهجرة" (٥).
وقال السدي: "إذا أظهروا كفرهم" (٦).
قال الزمخشري: أي: " فإن تولوا عن الإيمان المظاهر بالهجرة الصحيحة المستقيمة" (٧).
قوله تعالى: ﴿فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [النساء: ٨٩]، " أي: فخذوهم أيها المؤمنون واقتلوهم حيث وجدتموهم في حلٍّ أو حرم" (٨).
قال السمعاني: " أي: فأسروهم، والأخذ هاهنا: الأسر، ويقال للأسير: أخيذ" (٩).
قال الزمخشري: أي: " فحكمهم حكم سائر المشركين يقتلون حيث وجدوا في الحل والحرم، وجانبوهم مجانبة كلية" (١٠).
قوله تعالى: ﴿وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ [النساء: ٨٩]، أي: " ولا تتخذوا منهم وليّاً من دون الله ولا نصيرًا تستنصرونه به" (١١).
قال الواحدي: " أيْ: لا تتولوهم ولا تستنصروا بهم على عدوِّكم" (١٢).
قال الزمخشري: أي: " وإن بذلوا لكم الولاية والنصرة فلا تقبلوا منهم" (١٣).
قال المراغي: أي: " ولا تتخذوا منهم وليا يتولى شيئا من مهام أموركم ولا نصيرا ينصركم على أعدائكم" (١٤).
عن مجاهد في قوله: " ﴿واقتلوهم حيث وجدتموهم﴾، قال: نسخت ما كان قبلها من من أو فدا" (١٥).
الفوائد:
١ - إن أعداء الله حريصون كل الحرص على إضلال المسلمين وصدهم عن دينهم.
٢ - أن الحسد خلق نفس ذميمة وضيعه سَاقِطَة لَيْسَ فِيهَا حرص على الْخَيْر فلعجزها ومهانتها تحسد من يكْسب الْخَيْر والمحامد ويفوز بهَا دونهَا وتتمنى أَن لوفاته كسبها حَتَّى يساويها فِي الْعَدَم كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ودوا لَو تكفرون كَمَا كفرُوا فتكونون سَوَاء﴾.
٣ - إن الكفار والمنافقين يفرحون بما يكون من بعض المسلمين من المخالفة لهدي نبيهم - ﷺ - وارتكابهم لما حذرهم منه من البدع والضلالات.
٤ - يجب على المؤمن الحذر من غير المؤمن مهما أظهر من المودة وأبدى من النصح فإن الله تعالى يقول عنهم: ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً﴾.
٥ - دلت الآية على أنه لا يجوز موالاة المشركين والمنافقين والمشتهرين بالزندقة والإلحاد، وهذا متأكد بعموم قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء والسبب فيه أن أعز الأشياء وأعظمها عند جميع الخلق هو الدين، لأن ذلك هو الأمر الذي به يتقرب إلى الله تعالى، ويتوسل به إلى طلب السعادة في

(١) أخرجه البخاري في الإيمان، باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، : ١/ ٥٧ وفي الرقاق، والمصنف في شرح السنة: ١/ ٢٧.
(٢) تفسير البغوي: ٢/ ٢٦٠.
(٣) التفسير الميسر: ٩٢.
(٤) تفسير البغوي: ٢/ ٢٦٠.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم (٥٧٥٣): ٣/ ١٠٢٦.
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم (٥٧٥٤): ٣/ ١٠٢٦.
(٧) الكشاف: ١/ ٥٤٧.
(٨) التفسير الميسر: ٩٢.
(٩) تفسير السمعاني: ١/ ٤٥٩.
(١٠) الكشاف: ١/ ٥٤٧.
(١١) التفسير الميسر: ٩٢.
(١٢) الوجيز: ٢٨٠.
(١٣) الكشاف: ١/ ٥٤٧.
(١٤) تفسير المراغي: ٥/ ١١٦.
(١٥) أخرجه ابن أبي حاتم (٥٧٥٥): ٣/ ١٠٢٧.


الصفحة التالية
Icon