والثاني: وقال قتادة: " حيٌّ كانوا بتهامة، قالوا: يا نبيّ الله، لا نقاتلك ولا نقاتل قومنا، وأرادوا أن يأمنوا نبيَّ الله ويأمنوا قومهم، فأبى الله ذلك عليهم، فقال: ﴿كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها﴾، يقول: كلما عرض لهم بلاء هلكوا فيه" (١).
والثالث: أنها نزلت في نعيم بن مسعود الأشجعي، وكان يأمن في المسلمين والمشركين، ينقل الحديث بين النبي ﷺ والمشركين. وهذا قول السدي (٢).
والرابع: انههم قوم من المنافقين. وهذا قول الحسن (٣).
قوله تعالى: ﴿سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ﴾ [النساء: ٩١]، "أي: ستجدون قوماً آخرين من المنافقين يريدون أن يأمنوكم بإِظهار الإِيمان ويأمنوا قومهم بإِظهار الكفر إِذا رجعوا إِليهم" (٤).
قال مقاتل: " يعني يأمنوا فيكم معشر المؤمنين بأنهم مقرون بالتوحيد ويأمنوا قومهم المشركين لأنهم على دينهم" (٥).
قال الفراء: " معناه: أن يأمنوا فيكم ويأمنوا في قومهم. فهؤلاء بمنزلة الذين ذكرناهم في أن قتالهم حلال إذا لم يرجعوا" (٦).
قال ابن قتيبة: " هؤلاء منافقون يعطون المسلمين الرضا ليأمنوهم ويعطون قومهم الرضا ليأمنوهم" (٧).
قال الزجاج: " ستجدون من يظهر لكم الصلح ليأمنكم، وإذا سنحت فتنة كانوا مع
أهلها عليكم" (٨).
قال ابن كثير: " هؤلاء في الصورة الظاهرة كمن تقدمهم، ولكن نية هؤلاء غير نية أولئك، فإن هؤلاء منافقون يظهرون للنبي ﷺ ولأصحابه الإسلام؛ ليأمنوا بذلك عندهم على دمائهم وأموالهم وذراريهم ويصانعون الكفار في الباطن، فيعبدون معهم ما يعبدون، ليأمنوا بذلك عندهم، وهم في الباطن مع أولئك، كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ [البقرة: ١٤] " (٩).
قال ابن عطية: " لما وصف الله تعالى فيما تقدم صفة المحقين في المتاركة، المجدين في إلقاء السلم، نبه على طائفة مخادعة مبطلة مبطنة كانوا يريدون الإقامة في مواضعهم مع أهليهم، يقولون لهم: نحن معكم وعلى دينكم، ويقولون أيضا للمسلمين إذا وفدوا وأرسلوا: نحن معكم وعلى دينكم خبثة منهم وخديعة، قيل: كانت أسد وغطفان بهذه الصفة، وقيل: نزلت في نعيم بن مسعود الأشجعي، كان ينقل بين النبي عليه السلام والكفار الأخبار، وقيل: نزلت في قوم يجيئون من مكة إلى النبي عليه السلام رياء، يظهرون الإسلام ثم يرجعون إلى قريش فيكفرون، ففضح الله تعالى هؤلاء، وأعلم أنهم على غير صفة من تقدم" (١٠).
قوله تعالى: ﴿كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا﴾ [النساء: ٩١]، "أي: كلما دعوا إِلى الكفر أو قتال المسلمين عادوا إِليه وقُلبوا فيه على أسوأ شكل" (١١).
قال الزمخشري: " قلبوا فيها أقبح قلب وأشنعه، وكانوا شرا فيها من كل عدو" (١٢).
قال ابن كثير: " أي: انهمكوا فيها" (١٣).
قال الزجاج: " أي: انتكسوا عن عهدهم الذي عقدوه" (١٤).

(١) أخرجه الطبري (١٠٠٨١): ص ٩/ ٢٨، وابن ابي حاتم (٥٧٥٨): ص ٣/ ١٠٢٩، إسناده صحيح لكنه مرسل، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (٢/ ٦١٤)، وزاد نسبته لعبد بن حميد، وابن المنذر.
(٢) انظر: تفسير الطبري (١٠٠٨٢): ص ٩/ ٢٨، وابن ابي حاتم (٥٧٦٧): ص ٣/ ١٠٢٩، وسنده ضعيف جداً؛ لإعضاله، وضعف أسباط.
(٣) انظر: النكت والعيون: ١/ ٥١٧.
(٤) صفوة التفاسير: ٢٧١.
(٥) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٩٦.
(٦) معاني القرآن: ١/ ٢٨٢.
(٧) غريب القرآن: ١٣٤.
(٨) معاني القرآن: ٢/ ٨٩.
(٩) تفسير ابن كثير: ٢/ ٣٧٣.
(١٠) المحرر الوجيز: ٢/ ٩١.
(١١) صفوة التفاسير: ٢٧٢.
(١٢) الكشاف: ١/ ٥٤٨.
(١٣) تفسير ابن كثير: ٢/ ٣٧٣.
(١٤) معاني القرآن: ٢/ ٨٩.


الصفحة التالية
Icon