والفرق بين صيغتي: «الغفار»، و «الغفور»: أن " «الغفار» (١)، معناه: الستار لذنوب عباده في الدنيا بأن لا يهتكهم ولا يشيدهما عليهم، ويكون معنى «الغفور»: منصرفا إلى مغفرة الذنوب في الآخرة، والتجاوز عن العقوبة فيها" (٢).
و«الرحيم»: أي: ذو الرحمة الواسعة التي وسعت كل شيء (٣).
قال الشيخ ابن عثيمين: " «الرحيم»: أي الموصل للرحمة من يشاء من عباده" (٤)، وهو "صيغة مبالغة، أو صفة مشبهة من الرحمة؛ والرحمة صفة من صفات الله سبحانه وتعالى الذاتية الفعلية؛ فهي باعتبار أصل ثبوتها لله صفة ذاتية؛ وباعتبار تجدد من يرحمه الله صفة فعلية؛ ولهذا علقها الله سبحانه وتعالى بالمشيئة في قوله تعالى: ﴿يعذب من يشاء ويرحم من يشاء﴾ [العنكبوت: ٢١]، فهي صفة حقيقية ثابتة لله عز وجل، وأهل التأويل -والأصح أن نسميهم أهل التحريف- يقولون: إن الرحمة غير حقيقية؛ وأن المراد برحمة الله إحسانه؛ أو إرادة الإحسان؛ فيفسرونها إما بالإرادة؛ وإما بالفعل؛ وهذا لا شك أنه خطأ؛ وحجتهم: أنهم يقولون: إن الرحمة رقة، ولين؛ والرقة، واللين لا تناسبان عظمة الخالق سبحانه وتعالى؛ فنقول لهم: إن هذه الرحمة رحمة المخلوق؛ أما رحمة الخالق فإنها تليق به سبحانه وتعالى؛ ولا تتضمن نقصاً؛ فهو ذو رحمة بالغة، وسلطان تام؛ فلا يرد بأسه عن القوم المجرمين" (٥).
٤ - ومنها: إثبات ما ذكره أهل السنة والجماعة من أن أسماء الله سبحانه وتعالى المتعدية يستفاد منها ثبوت تلك الأحكام المأخوذة منها؛ فالأسماء المتعدية تتضمن الاسم، والصفة، والأثر - الذي هو الحكم المترتب عليه -؛ والعلماء يأخذون من مثل هذه الآية ثبوت الأثر - وهو الحكم -؛ لأنه لكونه غفوراً رحيماً غفر لمن تاب من المحاربين قبل التمكن منه فيعفو عنه، فيكون في هذا دليل واضح على أن أسماء الله عز وجل تدل على «الذات» الذي هو المسمى؛ و «الصفة»؛ و «الحكم»، كما قال بذلك أهل العلم - رحمهم الله - (٦).
القرآن
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٣٥)﴾ [المائدة: ٣٥]
التفسير:
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، خافوا الله، وتَقَرَّبوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه، وجاهدوا في سبيله; كي تفوزوا بجناته.
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [المائدة: ٣٥]، أي: " يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله" (٧).

(١) قال الخطابي: " الغفار: هو الذي يغفر ذنوب عباده مرة بعد أخرى. كلما تكررت التوبة في الذنب من العبد تكررت المغفرة. كقوله -سبحانه-: ﴿وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى﴾ [طه: ٨٢].
وأصل الغفر في اللغة: الستر والتغطية، ومنه قيل لجنة الرأس: المغفر، وبه سمي زئبر الثوب غفرا وذلك لأنه يستر سداه؛ فالغفار: الستار لذنوب عباده، والمسدل عليهم ثوب عطفه ورأفته. ومعنى الستر في هذا أنه لا يكشف أمر العبد لخلقه ولا يهتك ستره بالعقوبة التي تشهره في عيونهم ويقال: إن المغفرة مأخوذة من الغفر: وهو فيما حكاه بعض أهل اللغة نبت يداوى به الجراح، يقال إنه إذا ذر عليها دملها وأبراها". [شأن الدعاء: ١/ ٥٢ - ٥٣، وانظر: اللسان وتاج العروس، مادة"غفر"].
(٢) شأن الدعاء: ١/ ٦٥.
(٣) انظر: تفسير ابن عثيمين: الفاتحة والبقرة: ١/ ١٨٨، وشرح أسماء الحسنى في ضوء الكتاب والسنة: ٨٤.
(٤) تفسير ابن عثيمين الفاتحة والبقرة: ١/ ٥.
(٥) تفسير ابن عثيمين: الفاتحة والبقرة: ٢/ ٢٥٢ - ٢٥٣.
(٦) انظر: تسير ابن عثيمين: الفاتحة والبقرة: ٢/ ٢٥٩.
(٧) التفسير الميسر: ١٣.


الصفحة التالية
Icon