قال ابن عطية: " أخبر تعالى عن هؤلاء الكفار أنهم ليسوا بخارجين من النار بل عذابهم فيها مقيم متأبد" (١).
قال السعدي: " ولم يبق إلا العذاب الأليم، الموجع الدائم الذي لا يخرجون منه أبدا، بل هم ماكثون فيه سرمدا" (٢).
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - ﷺ - قال: " يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ثم يقوم مؤذن بينهم: يا أهل النار لا موت، ويا أهل الجنة لا موت، خلود " (٣).
وروي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - ﷺ -: " يقال لأهل الجنة: يا أهل الجنة خلود لا موت، ولأهل النار، يا أهل النار خلود لا موت " (٤).
وهذا يقال بعد ذبح الموت كما في حديث ابن عمر عند البخاري، قال: قال رسول الله - ﷺ -: " إذا صار أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار، جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار، ثم يذبح، ثم ينادي منادي: يا أهل الجنة لا موت، يا أهل النار لا موت، فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حزناً إلى حزنهم " (٥).
وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد قال: قال رسول الله - ﷺ -: " يُجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار، فيقال: يا أهل الجنة، هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون، ويقولون: نعم هذا الموت. قال: ويقال: يا أهل النار، هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون، ويقولون: نعم، هذا الموت، قال: فيؤمر به فيذبح. قال: ثم قال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت". قال: ثم قرأ رسول الله - ﷺ -: [وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون} [مريم: ٣٩] " (٦).
وأخرج الترمذي عن أبي سعيد الخدري يرفعه قال: " إذا كان يوم القيامة أتي بالموت كالكبش الأملح، فيوقف بين الجنة والنار، فيذبح وهم ينظرون، فلو أن أحداً مات فرحاً لمات أهل الجنة، ولو أن أحداً مات حزناً لمات أهل النار " (٧) قال: حديث حسن صحيح.
عن عكرمة: "أن نافع بن الأزرق قال لابن عباس رحمه الله: أعمى البصر أعمى القلب، يزْعُم أن قومًا يخرجون من النار، وقد قال الله جل وعز: ﴿وما هم بخارجين منها﴾؟ فقال ابن عباس: ويحك، أقرأ ما فوقها! هذه للكفّار" (٨).
وعن جابر بن عبد الله؛ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-قال: " «يخرج من النار قوم فيدخلون الجنة» قال: فقلت لجابر بن عبد الله: يقول الله: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا﴾ قال: اتل أول الآية: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ﴾ الآية، ألا إنهم الذين كفروا" (٩).
عن يزيد الفقير قال: "جلست إلى جابر بن عبد الله، وهو يحدث، فحدّث أن أُنَاسًا يخرجون من النار - قال: وأنا يومئذ أنكر ذلك، فغضبت وقلت: ما أعجب من الناس، ولكن أعجب منكم يا أصحاب محمد! تزعمون أن الله يخرج ناسًا من النار، والله يقول: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ فانتهرني أصحابه، وكان أحلمهم فقال: دعوا الرجل، إنما ذلك للكفار: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ

(١) المحرر الوجيز: ٢/ ١٨٧.
(٢) تفسير السعدي: ٢٣٠.
(٣) صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب يدخل الجنة سبعون ألفاً بغير حساب، فتح الباري: (١١/ ٤٠٦).
(٤) صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب يدخل الجنة سبعون ألفاً بغير حساب، فتح الباري: (١١/ ٤٠٦).
(٥) صحيح البخاري، كتاب الرقاق: باب صفة الجنة والنار، فتح الباري: (١١/ ٤١٥).
(٦) صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها: (٤/ ٢١٨٨).
(٧) سنن الترمذي: ٢٥٥٨.
(٨) أخرجه الطبري (١١٩٠٦): ص ١٠/ ٢٩٤.
(٩) المسند (٣/ ٣٥٥)، وصحيح مسلم برقم (١٩١).


الصفحة التالية
Icon