وقد أورد الإمام السيوطي كثيرا من الأحاديث والآثار تدل صريحا على أنها آخر ما نزل من القرآن (١).
والقول الثاني: أنها مدنية كلها إلا قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [الآية: ٣]، فإنها نزلت بـ «عرفات». وهذا قول مقاتل بن حيان (٢)، وشهاب الخفاجي (٣).
قال أبو سليمان الدمشقي: "فيها من المكي: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [الآية: ٣] " (٤).
قال ابن الجوزي: "والصحيح أن قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾، نزلت بعرفة يوم عرفة، فلهذا نسبت إلى «مكة» " (٥).
واعترض القاسمي على القول الثاني، من خلال نظرين (٦):
الأول: - إن هذا بناء على أن المكي ما نزل بمكة ولو بعد الهجرة. والمدني ما نزل بالمدينة، وهو اصطلاح لبعض السلف. ولكن الأشهر كما في "الإتقان" أن المكي ما نزل قبل الهجرة، والمدني ما نزل بعدها، سواء نزل بمكة أم بالمدينة، عام الفتح أو عام حجة الوداع، أم بسفر من الأسفار (٧).
الثاني: - بقي عليه، لو مشي على ذاك الاصطلاح، آيات آخر.
القول الثالث: أنها مدنية كلها إلا قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [الآية: ٣]، وهذا قول أبي سليمان الدمشقي (٨).
قال السدي: " عن السدي قوله: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾، هذا نزل يوم عرفة، فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام. ورجع رسول الله ﷺ فمات" (٩).
القول الرابع: أنها نزلت عند منصرف رسول الله ﷺ من الحديبية.
ذكر النقاش عن أبي سلمة أنه قال: "لما رجع رسول الله ﷺ من الحديبية قال: «يا علي أشعرت أنه نزلت علي سورة المائدة ونعمت الفائدة» " (١٠).
قال ابن عطية: "وهذا عندي لا يشبه كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- " (١١).
قال ابن العربي: "هذا حديث موضوع، لا يحل لمسلم اعتقاده، أما أنا نقول: سورة المائدة نعمت الفائدة فلا نؤثره عن أحد، ولكنه كلام حسن" (١٢).
القول الخامس: أنها نزلت في حجة الوداع فيما بين مكة والمدينة. وهذا قول محمد القرظي (١٣).
وأخرج الطبري عن الربيع بن أنس قال: "نزلت «سورة المائدة» على رسول الله ﷺ في المسير في حجة الوداع، وهو راكب راحلته، فبركت به راحلته من ثقلها" (١٤).
والراجح-والله أعلم- انهما مدنية، وهذا قول الجمهور، باعتبار أن السور المدنية هي ما نزلت بعد الهجرة، وهذه السورة نزلت بعد سورة «الفتح»، وكان نزول سورة «الفتح» بعد
(٢) انظر: تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٤٤٧.
(٣) انظر: محاسن التأويل: ٤/ ٣.
(٤) زاد المسير: ١/ ٥٠٥.
(٥) زاد المسير: ١/ ٥٠٥.
(٦) انظر: محاسن التأويل: ٤/ ٣.
(٧) انظر: الإتقان: ١/ ٧٣.
(٨) انظر: زاد المسير: ١/ ٥٠٥.
(٩) أخرجه الطبري (١١٠٨٠): ص ٩/ ٥١٨.
(١٠) ذكره ابن عطية في المحرر الوجيز: ٢/ ١٤٣، والقرطبي في تفسيره: ٦/ ٣٠، وأبو حفص سراج الدين، في اللباب في علوم الكتاب: ٧/ ١٦٠.
(١١) المحرر الوجيز: ٢/ ١٤٣.
(١٢) أحكام القرآن: ٢/ ٣.
(١٣) انظر: الدر المنثور: ٣/ ٣ - ٤.
(١٤) تفسير الطبري (١١١١٢): ص ٩/ ٥٣١.