..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قال أبو حيان: " وهذه الوجوه الخمسة كلها ضعيفة، والذي يتبادر إليه الذهن في الآية: أنهم أُمِرُوا [بأن] (١) يذكروا الله ذكرا يماثل ذكر آبائهم أو أشد، وقد ساغ لنا حمل الآية على هذا المعنى بتوجيه واضح ذهلوا عنه، وهو أن يكون ﴿أَشَدَّ﴾ منصوبا على الحال (٢)، وهو نعت لقوله: ﴿ذِكْرًا﴾ لو تأخر، فلما تقدم انتصب على الحال،
كقوله: [لِمَيةَ] (٣) مُوحِشًا طَلَلُ (٤)، ولو أُخِّرَ لقيل: أو ذكرا أشد، يعني من [ذكركم آباءكم، ويكون إذ ذاك: أو ذكرا أشد، معطوفا على محل الكاف من] (٥) ﴿كَذِكْرِكُمْ﴾.
ويجوز أن يكون مصدرا لقوله: ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ﴾، و ﴿كَذِكْرِكُمْ﴾: في موضع الحال؛ لأنه في التقدير: نعت نكرة (٦) تقدم عليها، ويكون ﴿أَوْ أَشَدَّ﴾ معطوفا على محل الكاف، حالا معطوفة على حال، ويصير كقولك: اِضرب مثل ضرب فلان ضربا، والأصل: اِضرب ضربا مثل ضرب فلان.
_________
(١) في ب: بأنهم. والمثبت أعلى هو الصحيح.
(٢) الحال: هو الوصف الفضلة المنتصب للدلالة على هيئة نحو: "جئت راكبا" و: "ضربته مكتوفا".
وأصل صاحب الحال التعريف، ويقع نكرة بمسوغ، كأن يتقدم عليه الحال، نحو: "في الدار جالسا رجل".
ينظر: اللمحة في شرح الملحة (١/ ٣٧٥)، أوضح المسالك (٢/ ٢٤٩)، شرح ابن عقيل (٢/ ٢٤٣).
(٣) في ب: لميتة. والمثبت أعلى هو الصحيح؛ لأن " مية " هي اسم محبوبة الشاعر.
(٤) هذا صدر بيت، وعجزه قوله: يلوحُ كَأَنَّهُ خِلَلُ
وهو لكُثَير بن عبد الرحمن المعروف بكُثَير عزة في ديوانه (صـ ٥٠٦) [جمعه وشرحه د / إحسان عباس - دار الثقافة بيروت - لبنان - ١٣٩١ هـ - ١٩٧١ م].
ومعناه: لقد أقفرت دار مية من أهلها، ودرست معالمها، ولم يبق منها إلا آثار بسيطة، تظهر للناظر وكأنه نقوش في البطائن التي تغشى بها أجفان السيوف.
وجه الاستشهاد: وقوع "موحشا" حالا من "طلل" وهو نكرة، وسوغ ذلك تقدم الحال عليها.
ينظر: أوضح المسالك (٢/ ٢٦٠)، شرح الأشموني (٢/ ١٠)، شرح التصريح (١/ ٥٨٤).
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من ب.
(٦) النكرة: هي الاسم الشّائع في جنس مَوْجُود كَرجل أَو مُقَدّر كشمس.
وهي نوعان: ما يقبل دخول "أل" المؤثرة للتعريف عليه كرجل، وفرس، ودار، وكتاب.
أو ما يقع موقع ما يقبل دخول "أل" المؤثرة للتعريف نحو: "ذي، ومن، وما". في قولك: "مررت برجل ذي مال، وبمن معجِب لك، وبما معجِب لك" فإنها واقعة موقع "صاحب، وإنسان، وشيء".
ينظر: اللمحة في شرح الملحة (١/ ١١٩)، أوضح المسالك (١/ ٩٨)، شرح قطر الندى (١/ ٩٣).


الصفحة التالية
Icon