..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ثم زيدت (من) الاتصالية (١)؛ مبالغة. كقول الشاعر:
وَالنَّاسُ مِن بَيْنَ مَرْحُوبٍ وَمَحْجُوبِ (٢)
كأنهم ناشئون من البين [ليبتدئ] (٣) تقسيمهم منه ألبتة، فجعل ابتداءهم منه بمنزلة ابتداء التقسيم.
ويجوز أن تجعل (من) بيانية (٤) نظرا إلى إقحام (بين)، والأول أبلغ. " (٥) أهـ
فإن قلت: الأقسام لاتنحصر فيما ذكر، فإن من الناس من لا يطلب إلا الآخرة؟ !
قلت: ليس المقصود حصر أقسام الناس مطلقا، بل لما ذكر قوله (٦): (أن تبتغوا من فضل الله) قسم أهل الطلب إلى مُقل ومكثر، وهم لا يخلون عنهما، ولو سلم فإن من لا يطلب إلا الآخرة سيذكره بقوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ﴾ (٧)، فإن من باع نفسه لله صار كأنه مولاه.
_________
(١) يقصد "من" الابتدائية.
(٢) هذا عجز بيت وتمامه:

إِذَا اعْتَرَوْا بَابَ ذِي عَيْبَةٍ رُحِّبُوا وَالنَّاسُ مَا بَيْنَ مَرْحُوبٍ وَمَحْجُوبِ
لم أقف على قائله، وهو مروي بلفظ "ما" وليس "من". ومعنى مرحوب: مكرم ومرحب به، ومحجوب يعني: مهان. وهو بهذه الرواية من شواهد البحر المحيط (١٠/ ٤٢٩).
وروي أيضا بلفظ:
إِذَا اعْتَرَوْا بَابَ ذِي عُبِّيَّةٍ رُجِبُوا وَالنَّاسُ مِنْ بَيْنِ مَرْجُوبٍ وَمَحْجُوبِ
اعتروا: نزلوا به وأصابوه. والعبية: الكبر والفخر. ورجبة الرجل: عظمته. يقول: إنهم يلجون أبواب العظماء لا تمنعهم الحجب، بخلاف غيرهم فإنهم تارة وتارة. وهو بهذه الرواية من شواهد الكشاف (٤/ ٧٢٢)، وقد ذكره العلامة محب الدين أفندي في كتابه " تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات شرح شواهد الكشاف" (٤٧)، والعلامة محمد عليان المرزوقي في كتابه " مشاهد الإنصاف على شواهد الكشاف " (١٧) ولم ينسباه لقائل.
(٣) في ب: لبتدى. والمثبت أعلى هو الصحيح.
(٤) من البيانية: هي التي تبين أن ما بعدها جنس يشمل ما قبلها. نحو: ﴿أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ﴾ [الكهف: ٣١].
وهي مع مجرورها في محل نصب على الحال إن كان ما قبلها معرفة، نحو: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ﴾ [الحج: ٣٠]، ونعت تابع لما قبلها إن كان نكرة، نحو: (رَأَيْت رجلا من قَبيلَة بني تَمِيم).
ينظر: الجنى الداني (١/ ٣٠٩)، أوضح المسالك (٣/ ١٨)، الكليات (١/ ٨٣٢).
(٥) حاشية الكشف على الكشاف، لعمر بن عبد الرحمن (١/ ٣٨٧).
(٦) يقصد قول الله تعالى: ﴿أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨].
(٧) سورة: البقرة، الآية: ٢٠٧.


الصفحة التالية
Icon