..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اعلم أن الله - سبحانه - (١) قرن في هذا التفصيل: الذكر مع الدعاء، فذهب الإمام أبو حيان إلى: " أنه تفصيل للداعين المأمورين بالذكر." (٢)
والافتتاح بالذكر؛ لكونه مفتاحا للإجابة.
فَصَّل سبحانه بعد الفراغ عن بيان مناسك الحج الداعين في تلك المواقف: بأن منهم من يطلب حسنة الدنيا بعد الفراغ عن العبادات الحجية.
ومنهم من يطلب حسنة الدارين؛ إرشادا إلى طريق الدعاء وحثا عليه.
ففي قوله: ﴿فَمِنَ النَّاسِ﴾ التفات (٣) من الخطاب إلى الغيبة؛ حطاً لطالب الدنيا عن ساحة
عز الحضور.
وقال المصنف (٤) وصاحب (ك): " تفصيل للذاكرين مطلقا حجاجا كانوا أو غيرهم. " (٥) (٦)
رعاية للتناسب بما قبله وبما بعده، وإبقاءً للناس على عمومه، كما هو الظاهر والمطابق لما
_________
(١) في ب بزيادة: وتعالى.
(٢) البحر المحيط (١/ ٣٠٩).
(٣) الالتفات: هو التعبير عن معنى بطريق من الطرق الثلاثة: التكلم، والخطاب، والغيبة، بعد التعبير عنه بطريق آخر منها؛ لمقتضيات ومناسبات تظهر بالتأمل في مواقع الالتفات، تفنناً في الحديث، وتلويناً للخطاب، حتى لا يمل السّامع من التزام حالة واحدة، وتنشيطا وحملا له على زيادة الإصغاء، وذلك ست صور:
١ - فمن التكلم إلى الخطاب نحو: ﴿وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [يس: ٢٢] دون "أرجع".
٢ - ومن التكلم إلى الغيبة نحو: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: ١، ٢] دون "لنا".
٣ - ومن الخطاب إلى التكلم نحو: ﴿وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ﴾ [هود: ٩٠] دون "ربكم ".
٤ - ومن الخطاب إلى الغيبة نحو: ﴿حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم﴾ [يونس: ٢٢] دون "بكم".
٥ - ومن الغيبة إلى التكلم نحو: ﴿وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ﴾ [فاطر: ٩] دون "فساقه".
٦ - ومن الغيبة إلى الخطاب نحو: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: ٤] دون "إياه".
ينظر: جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع (١/ ٢١٢)، علوم البلاغة البيان المعاني البديع (١/ ١٤١)، البلاغة العربية (١/ ٤٧٩).
(٤) يقصد القاضي البيضاوي في تفسيره.
(٥) تفسير البيضاوي (١/ ١٣٢) بالمعنى.
(٦) تفسير الكشاف (١/ ٢٤٨) بالمعنى.