..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــ
﴿لِيُفْسِدَ﴾ (متعلق بسعى، علة له (١)، ويهلك إلخ): " عطف خاص على عام (٢)؛ للدلالة على أن إهلاك ماذكر غاية الإفساد، بحيث صار كأنه حقيقة مغايرة له.
والحرث: الزرع (٣)، والحراثة: [للزراعة] (٤).
والنَّسْل: مصدر نَسَلَ ينسل إذا خرج منفصلا، ومنه نسل الوبر والريش، والنسالة: الساقط منها. (٥)
والحرث والنسل وإن كانا في الأصل مصدرين، المراد بهما هنا: معنى المفعول، فإن الولد نسل أبويه، يخرج منفصلا منهما. قال صلى الله عليه وسلم: " لما خلق الله أسباب المعيشة، جعل البركة في الحرث والنسل." (٦) فظهر به أن إهلاكهما غاية الإفساد." (٧) (ز)
_________
=وهذه الآية وإن كانت قد نزلت في شأن الأخنس بن شريق، إلا أنها صارت عامة لجميع الناس، فمن عمل مثل عمله، استوجب تلك العقوبة، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ينظر: تفسير الطبري (٤/ ٢٤١)، بحر العلوم (١/ ١٣٦) [لنصر بن محمد السمرقندي ت: ٣٧٣ هـ].
(١) ينظر: التبيان في إعراب القرآن (١/ ١٦٧)، البحر المحيط (٢/ ٣٢٩)، الدر المصون (٢/ ٣٥٢).
(٢) ينظر: الدر المصون (٢/ ٣٥٢)، روح المعاني (١/ ٤٩١).
قال أبو حيان في البحر المحيط (٢/ ٣٢٩): " عَطَفَ هَذِهِ الْعِلَّةَ عَلَى الْعِلَّةِ قَبْلَهَا، وَهُوَ: ﴿لِيُفْسِدَ فِيهَا﴾، وَهُوَ شَبِيهٌ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ﴾ [البقرة: ٩٨]؛ لِأَنَّ الْإِفْسَادَ شَامِلٌ يَدْخُلُ تَحْتَهُ إِهْلَاكُ الْحَرْثِ وَالنَّسْلِ، وَلَكِنَّهُ خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُمَا أَعْظَمُ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي عِمَارَةِ الدُّنْيَا، فَكَانَ إفسادهما غاية الإفساد."
(٣) الحَرْث: في الأصل: مصدر حرَثَ يحرث، وهو إلقاء البذر في الأرض وتهيّؤها للزرع، ويسمّى المحروث حرثا: أي زرْعا، ومنه قوله: ﴿أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ﴾ [القلم: ٢٢]. ينظر: المفردات - مادة حرث (١/ ٢٢٦)، المعجم الوسيط - باب الحاء (١/ ١٦٤)، معجم اللغة العربية - مادة حرث (١/ ٤٦٦).
وقال الزجاج في" معاني القرآن وإعرابه " (١/ ٢٧٧): " وقالوا في ﴿الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ﴾: إن الحرث: النساء، والنسل: الأولاد. وهذا غير منكر لأن المرأة تُسمَّى حرْثاً - قال اللَّه - عزَّ وجلَّ -: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣]. وأصل هذا إِنما هو في الزرع، وكل ما حرث، فيشبه ما منه الولد بذلك. وقالوا في ﴿الْحَرْثَ﴾: هو ما تعرفه من الزرع؛ لأنه إذَا أفسد في الأرض أبطل - بإفْساده وإِلقائه الفتنة - أمْرَ الزراعة."
وذكر أبو حيان هذا القول ثم قال: " وَذَكَرَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنِ الزَّجَّاجِ احْتِمَالًا، فَيَكُونُ مِنَ الْكِنَايَةِ، وَهُوَ مِنْ ضُرُوبِ الْبَيَانِ." البحر المحيط (٢/ ٣٣٠).
(٤) في أوب: للزراعة، وفي حاشية زادة: الزراعة.
(٥) النَّسْل: في الأصل: مصدر نسل ينسل، وهو الانفصالُ عن الشيءِ، ويطلق على المفعول بمعنى: الوَلَد، والذُّرِّيَّة. ينظر: المفردات - مادة نسل (١/ ٨٠٢)، تاج العروس - مادة نسل (٣٠/ ٤٨٨).
وأكثرُ المُفَسِّرين على أن المراد بالحرث: الزرع والنبات، وبالنَّسْل: نسل الدواب، ومنها الإنسان.... ينظر: تفسير الطبري (٤/ ٢٤٠)، تفسير ابن أبي حاتم (٢/ ٣٦٧)، معاني القرآن للنحاس (١/ ١٥١)، الدر المنثور في التفسير بالمأثور (١/ ٥٧٤)، فتح القدير (١/ ٢٤١)، روح المعاني (١/ ٤٩١).
(٦) ينظر: تفسير روح البيان (١/ ٣٢٣).
(٧) حاشية زادة على البيضاوي (٢/ ٥٠٠ - ٥٠١).