﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ﴾: مبتدأ وخبرٌ كما مر، أي: يبيعها ببذْلِها في الجهاد ومشاقِّ الطاعات، وتعريضِها للمهالك في الحروب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
﴿وَمِنَ النَّاسِ﴾ (١) في (ز):
" لما وصف تعالى في الآية السابقة حال من بذل دينه لطلب الدنيا، ذكر في هذه الآية حال من يبذل دنياه ونفسه لطلب دين الله وما عند الله، فقال: ﴿وَمِنَ النَّاسِ﴾ إلخ. (٢) " (٣)
(أي يبيعها) في (ك): " يبذلها." (٤)
(ببذلها): " يعني أن الشراء (٥) بمعنى: البيع، مجاز عن البذل في الجهاد، على ما روي عن ابن عباس: أن هذه الآية في سرية الرجيع (٦) (٧)،
_________
(١) سورة: البقرة، الآية: ٢٠٧.
(٢) ينظر: تفسير الطبري (٤/ ٢٥١)، مفاتيح الغيب (٥/ ٣٤٩)، البحر المحيط (٢/ ٣٣٥)، تفسير ابن كثير (١/ ٥٦٤).
(٣) حاشية زادة على البيضاوي (٢/ ٥٠٢).
(٤) تفسير الكشاف (١/ ٢٥١).
(٥) يشري: يشري من الأضداد، يقال: شَرَى إذا باع، وشرى إذا اشترى. فاسم البيع والشِّراء يطلق كل واحد منهما على الآخر؛ لأن كل واحد من البائع والمشتري بائعٌ لما في يده، مُشْتَرٍ لما في يد الآخر. وأصله: الاستبدال، قال الله تعالى: ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ﴾ [يوسف: ٢٠]، أي: باعوه. ينظر: الصحاح تاج اللغة - مادة شرى (٦/ ٢٣٩١)، المفردات - مادة شرى (١/ ٤٥٣)..
(٦) سرية الرجيع: هي السرية التي بعثها رسول الله - ﷺ - إلى أهل مكة سَنَةِ ثَلَاثٍ، وَذَلِكَ أَنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ بَعَثُوا إِلَيه وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ إِنَّا قَدْ أَسْلَمْنَا، فَابْعَثْ إِلَيْنَا نَفَرًا مِنْ عُلَمَاءِ أَصْحَابِكَ يُعَلِّمُونَنَا دِينَكَ، وَكَانَ ذَلِكَ مَكْرًا مِنْهُمْ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُبَيْبَ بْنَ عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيَّ، وَمَرْثَدَ بْنَ أَبِي مَرْثَدٍ، وَزَيْدَ بْنَ الدَّثِنَةِ، وَخَالِدَ بْنَ بُكَيْرٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ طَارِقِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتِ، فَسَارُوا فَنَزَلُوا بِبَطْنِ الرَّجِيعِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، ومعهم تمر عجوة فأكلوا وطرحوا النوى، فَمَرَّتْ عَجُوزٌ فَأَبْصَرَتِ النَّوَى، فَرَجَعَتْ إِلَى قَوْمِهَا بِمَكَّةَ وَقَالَتْ: قَدْ سَلَكَ هَذَا الطَّرِيقَ أَهْلُ يَثْرِبَ، مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَرَكِبَ سَبْعُونَ رَجُلًا مِنْهُمْ مَعَهُمُ الرِّمَاحُ حَتَّى أَحَاطُوا بهم، فَقَتَلُوا مَرْثَدًا وَخَالِدًا وَعَبْدَ اللَّه ثم عَاصِم، وَأَسَروا خُبَيْبا وَزَيْدا، فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا، حَتَّى أَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِهِ، فَصَلَبُوهُ حَيًّا، وروي أن النبيّ - صلّى اللَّه عليه وسلّم- أرسل المقداد والزّبير في إنزال خبيب عن خشبته. ينظر: سيرة ابن هشام (٢/ ١٦٩)، الروض الأنف (٦/ ١٢٣) [لعبد الرحمن بن عبد الله السهيلي ت: ٥٨١ هـ، تحقيق: عمر عبد السلام السلامي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٢١ هـ/ ٢٠٠٠ م].
(٧) أخرجه الطبري في تفسيره (٤/ ٢٣٠)، برقم: ٣٩٦٢، وذكر البغوي في "معالم التنزيل" (١/ ٢٦٤) هذه القصة كاملة حتى وصل إلى ما كان من خبر الزبير والمقداد بن عمرو، ونقله الرازي في " مفاتيح الغيب" (٥/ ٣٤٤) مختصرا عن ابن عباس والضحاك.