للإيذان بأن إعراضَهم عن الدنيا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(للإيذان بأن إعراضهم إلخ) في (ش):
" ووضع المظهر موضع المضمر؛ لمدحهم بصفة التقوى مع الإيمان، أو ليفيد أنها علة الاستعلاء." (١) أهـ
شرح بذلك قول (ق):
" وإنما قال: ﴿وَالَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ بعد قوله: ﴿مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾؛ ليدل على أنهم متقون وأن استعلاءهم للتقوى." (٢) أهـ
كتب (ع): " أي لمدحهم بالتقوى، وللإشعار بعلة الحكم." (٣) أهـ
وفي (ك):
" فإن قلت: لم قال: ﴿مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ثم قال: ﴿وَالَّذِينَ اتَّقَوْا﴾؟
قلت: ليريك أنه لا يسعد عنده إلا المؤمن المتقي، وليكون بعثا للمؤمنين على التقوى إذا سمعوا ذلك." (٤) أهـ
قال السعد: " يعني أن مقتضى الظاهر بعد قوله: ﴿مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أن يقول: (وهم).
وعلى تقدير وضع المظهر موضع المضمر أن يقول: (والذين آمنوا)، إلا أنه عدل إلى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّقَوْا﴾؛ ليشعر بأن السعادة عند الله - بحيث يعلو عن الكفار - إنما هي للمؤمن المتقي، ولِيُحَرِّض المؤمنين أي: المتصفين بالتصديق على الاتصاف بالتقوى. (٥)
_________
(١) حاشية الشهاب على البيضاوي (٢/ ٢٩٧).
(٢) تفسير البيضاوي (١/ ١٣٥).
(٣) مخطوط حاشية السيالكوتي على البيضاوي لوحة (٣٤١ / ب).
(٤) تفسير الكشاف (١/ ٢٥٥).
وينظر: مفاتيح الغيب (٦/ ٣٦٩)، البحر المحيط (٢/ ٣٥٥).
(٥) وفي "التحرير والتنوير" (٢/ ٢٩٧): "وَقَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ﴾ أُرِيدَ مِنَ الَّذِينَ اتَّقَوْا: الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ سَخِرَ مِنْهُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا؛ لِأَنَّ أُولَئِكَ الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا مُتَّقِينَ.
وَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ: (وَهُمْ فَوْقَهُمْ) لَكِنْ عَدَلَ عَنِ الْإِضْمَارِ إِلَى اسْمٍ ظَاهِرٍ؛ لِدَفْعِ إِيهَامِ أَنْ يَغْتَرَّ الْكَافِرُونَ بِأَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إِلَيْهِمْ وَيُضَمُّوا إِلَيْهِ كَذِبًا وَتَلْفِيقًا، كَمَا فَعَلُوا حِينَ سَمِعُوا قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿أَفَرَءَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى﴾ [النجم: ١٩]، إِذْ سَجَدَ الْمُشْرِكُونَ وَزَعَمُوا أَنَّ مُحَمَّدًا أَثْنَى عَلَى آلِهَتِهِمْ. فَعَدَلَ لِذَلِكَ عَنِ الْإِضْمَارِ إِلَى الْإِظْهَارِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِالِاسْمِ الَّذِي سَبَقَ أَعنِي: (الَّذين ءامنوا)؛ لِقَصْدِ التَّنْبِيهِ عَلَى مَزِيَّةِ التَّقْوَى، وَكَوْنِهَا سَبَبًا عَظِيمًا فِي هَذِهِ الْفَوْقِيَّةِ، عَلَى عَادَةِ الْقُرْآنِ فِي انْتِهَازِ فُرَصِ الْهُدَى وَالْإِرْشَادِ لِيُفِيدَ فَضْلَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا، وَيُنَبِّهَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى وُجُوبِ التَّقْوَى لِتَكُونَ سَبَبَ تَفَوُّقِهِمْ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ غَيْرُ الْمُتَّقِينَ فَلَيْسَ مِنْ غَرَضِ الْقُرْآنِ أَنْ يَعْبَأَ بِذِكْرِ حَالِهِمْ لِيَكُونُوا دَوْمًا بَيْنَ شَدَّةِ الْخَوْفِ وَقَلِيلِ الرَّجَاءِ، وَهَذِهِ عَادَةُ الْقُرْآنِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ."