في الدنيا استدراجاً تارةً، وابتلاءً أخرى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والتوسعة على الكفار ليست كرامة، بل استدراجا بالنعمة، أي: ترقية وإعلاء من درجة إلى درجة (١)؛ لتكون [النقمة] (٢) عليهم أشد وأفظع." (٣) أهـ
ولم يقل في (ك): (في الدارين) فتكون الجملة تذييلا لسخرية الكفار فقط.
(في الدنيا استدراجا تارة كما في حق الكفار، وابتلاء أخرى): " هل يشكرون عليها أم لا؟ كما في حق المؤمنين.
وفيه إشارة: إلى أنه في الآية رمز إلى وعد المؤمنين بالتوسعة في الدنيا أيضا.
ثم اعلم أن قوله: ﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ﴾ إلخ جملة معلِلة لما سبق من أحوال الكفار من المنافقين وأهل الكتاب.
يعني: أن جميع ما ذكر من صفاتهم الذميمة؛ لأجل تهالكهم في محبة الدنيا، وإعراضهم عن غيرها. (٤)
وذكر التزيين بصيغة الماضي؛ لكونه مفروغا منه مركوزا في طبيعتهم.
وعطف عليه بالفعل المضارع، أعني: ﴿وَيَسْخَرُونَ﴾؛ لإفادة الاستمرار.
وعطف عليه: ﴿وَالَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ إلخ؛ تسلية للمؤمنين." (٥) (ع)

=يخلق هذا العالم لغاية، ولم يخلق شيئا لشيء، وأوامره لا لعلة ولا لداع ولا باعث، بل فعل ذلك لمحض المشيئة والإرادة، وهذا قول الأشعري وأصحابه.
القول الثالث: وهو قول أهل السنة الذين هم وسط في الأقوال فقالوا: بأن الله موصوف بأنه حكيم، فكل ما يصدر عنه - جل وعلا - إنما يصدر عن حكمة بالغة، سواء في ذلك فعله أو أمره، وأن هذه الحكمة ترجع إليه جل وعلا، فهي صفة من صفات ذاته، كما أقروا أن الخلق خلق لغاية، ولم يخلق سدى ولا عبثاً وهذه الغاية هي عبادته، وأقروا بعموم قدرة الله على كل شيء، ومشيئته النافذة في كل شيء، وأنه الخالق لكل شيء، ولم يوجبوا عليه إلا ما أوجبه هو - جل وعلا - على نفسه. وهذا هو الرأي الصحيح، قال تعالى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾ [المؤمنون: ١١٥]، ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (٣٨) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الدخان: ٣٨ - ٣٩]، والأدلة العقلية على ذلك كثيرة.
ينظر: الانتصار في الرد على المعتزلة (٢/ ٤٥٩)، شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل (١٨٦/ ٢٠٦) [لابن قيم الجوزية ت: ٧٥١ هـ، دار المعرفة، بيروت، ط: ١٣٩٨ هـ/١٩٧٨ م]، لوامع الأنوار البهية (١/ ٢٨٠).
(١) ينظر: المفردات - مادة درج (١/ ١١٣)، المعجم الوسيط - باب الدال (١/ ٢٧٧)، معجم اللغة العربية المعاصرة - مادة درج (١/ ٧٣٤).
(٢) في ب: النعمة. والمثبت أعلى هو الصحيح.
(٣) مخطوط حاشية سعد الدين التفتازاني على الكشاف لوحة (١٣٤ / ب).
(٤) ينظر: مفاتيح الغيب (٦/ ٣٦٧)، البحر المحيط (٢/ ٣٥٣)، غرائب القرآن (١/ ٥٨٣).
(٥) مخطوط حاشية السيالكوتي على البيضاوي لوحة (٣٤١ / ب - ٣٤٢ / أ).


الصفحة التالية
Icon