..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قال الحسن وعطاء: " كان الناس من وقت وفاة آدم إلى مبعث نوح أمة واحدة على ملة الكفر] (١) أمثال البهائم، فبعث الله نوحا وغيره من النبيين." (٢)
ويحتمل أن المراد بكونهم أمة واحدة كونهم متفقين في الخلو عن الشرائع والجهل، لولا أن مَنَّ الله عليهم بالرسل تفضلا منه. (٣)
فعلى هذا يكون: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ غير مختص بالماضي فقط، بل للاستمرار كـ ﴿كَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ (٤). (٥) " (٦) أهـ
_________
(١) ما بين المعكوفتين سقط من ب.
(٢) ذكره الإمام الثعلبي في " الكشف والبيان (٢/ ١٣٢)، والإمام الواحدي في " الوسيط " (١/ ٣١٥)، والإمام البغوي في "معالم التنزيل" (١/ ٢٧١).
(٣) هذا هو القول الثالث الذي ذكره المفسرون في تفسير قوله تعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾.
ينظر: تفسير القرطبي (٣/ ٣١)، البحر المحيط (٢/ ٣٦٣)، غرائب القرآن (١/ ٨٥٧)، فتح القدير (١/ ٢٤٥)، التحرير والتنوير (٢/ ٣٠٢).
قال الإمام الرازي في " مفاتيح الغيب " (٦/ ٣٧٤) ما ملخصه: " الْقَوْلُ الثَّالِثُ: وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي مُسْلِمٍ [أي: الْأَصْفَهَانِيِّ] وَالْقَاضِي [أي: عَبْدِ الْجَبَّارِ]: أَنَّ النَّاسَ كَانُوا أُمَّةً وَاحِدَةً فِي التَّمَسُّكِ بِالشَّرَائِعِ الْعَقْلِيَّةِ، وَهِيَ الِاعْتِرَافُ بِوُجُودِ الصَّانِعِ وَصِفَاتِهِ، وَالِاشْتِغَالُ بِخِدْمَتِهِ، وَالِاجْتِنَابُ عَنِ الْقَبَائِحِ الْعَقْلِيَّةِ، كَالظُّلْمِ، وَالْكَذِبِ، وَالْجَهْلِ وَأَمْثَالِهَا.
وَاحْتَجَّ الْقَاضِي عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ: بِأَنَّ لَفْظَ النَّبِيِّينَ يُفِيدُ الْعُمُومَ وَالِاسْتِغْرَاقَ، وَحَرْفُ الْفَاءِ يُفِيدُ التَّعقيب، فَقَوْلُهُ: ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّ‍ينَ﴾ يُفِيدُ أَنَّ بَعْثَةَ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ كَانَتْ مُتَأَخِّرَةً عَنْ كَوْنِ النَّاسِ أُمَّةً وَاحِدَةً، فَتِلْكَ الْوَحْدَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَلَى بَعْثَةِ جَمِيعِ الشَّرَائِعِ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ وَحْدَةً فِي شَرْعِهِ غَيْرَ مُسْتَفَادَةٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ فِي شَرِيعَةٍ مُسْتَفَادَةٍ مِنَ الْعَقْلِ.
[ثم قال الإمام الرازي]: وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَا يَصِحُّ إِلَّا مَعَ إِثْبَاتِ تَحْسِينِ الْعَقْلِ وَتَقْبِيحِهِ، وَالْكَلَامُ فِيهِ مَشْهُورٌ فِي الْأُصُولِ."
(٤) سورة: النساء، الآية: ٩٦.
(٥) ينظر: تفسير القرطبي (٣/ ٣١).
(كَانَ): موضوعة للدلالة على اتصاف اسمها بمضمون خبرها، والأصل في وضعها الدلالة على الانقطاع، فإذا سمعت: كان زيد قائماً، فالأصل أنه قام في الزمن الماضي، والآن لا يثبت له شيء البتة. لكن نحو: ﴿كَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾، فهنا تدل على الاستمرار، عرف ذلك من دليل خارجي، ففي مثل التراكيب المتعلقة بذات الرب - جل وعلا - كلها للدلالة على الاستمرار والدوام. وما عدا ذلك فالأصل فيها الانقطاع. ينظر: فتح رب البرية في شرح نظم الأجرومية (١/ ٣٥٩ - ٣٦٠).
(٦) حاشية زادة على البيضاوي (٢/ ٥١٠ - ٥١١).


الصفحة التالية
Icon