حثًّا لهم على الثبات على المصابرة على مخالفة الكفَرَة، وتحمُّل المشاقِّ من جهتهم، إثر بيانِ اختلافِ الأممِ على الأنبياءِ - عليهم السلامُ -، وقد بُيّن فيه مآلُ اختلافِهم، وما لَقِيَ الأنبياء ومن معهم من قبلهم من مكابدة الشدائد، ومقاساة الهموم، وأن عاقبة أمرِهم النصرُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والكلام الأول تعريض للمؤمنين بعدم التثبت والصبر على أذى المشركين، فكأنه وضع موضع: كان من حق المؤمنين التشجع والصبر تأسيا بمن قبلهم كما صرح به الحديث النبوي (١)، وهو المضرب [عنه] (٢) بـ (بل) التي تضمنتها ﴿أَمْ﴾، أي: "دع ذلك، أحسبوا أن يدخلوا الجنة"، فترك الخطاب." (٣) (٤) أهـ
فأنت تراه في حله سلك مسلك (ك) في (تشجيعا)، ولعل المفسر خالف ذلك؛ لأن في هذا الإضراب تمام التشجيع، فكان هذا هو التشجيع المعتبر للتصريح بالإنكار. تأمل (٥).
(حثا لهم): للرسول ومن معه.
(وتحمل) عطف على مخالفة الكفرة، وضمير (جهتهم) للكفرة.
(وقد بين فيه) أي: فيما خوطب به النبي إلخ.
(مآل اختلافهم) أي: الأمم فجاء بيان المثل.
_________
(١) يقصد الحديث الذي سيأتي ذكره الذي رواه البخاري وأبو داود والنسائي عن خباب بن الأرت صـ (٣١٧) من هذا التحقيق، ينظر: حاشية الطيبي على الكشاف (٢/ ٣٦٠).
(٢) في ب: عليه. والمثبت أعلى هو الصحيح.
(٣) حاشية الطيبي على الكشاف (٢/ ٣٦١ - ٣٦٢) بتصرف قليل.
وقد كان للطاهر بن عاشور في " التحرير والتنوير " (٢/ ٣١٤) رأي مخالف لذلك حيث قال: " وَالْخِطَابُ لِلْمُسْلِمِينَ وَهُوَ إِقْبَالٌ عَلَيْهِمْ بِالْخِطَابِ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْكَلَامُ عَلَى غَيْرِهِمْ فَلَيْسَ فِيهِ الْتِفَات، وَجعل صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» الْتِفَاتًا بِنَاءً عَلَى تَقَدُّمِ قَوْلِهِ: ﴿فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾، وَأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يُقَالَ: أَمْ حَسِبُوا، أَيِ: الَّذِينَ آمَنُوا، وَالْأَظْهَرُ: أَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ الِانْتِقَالُ مِنْ غَرَضٍ إِلَى غَرَضٍ بِالْإِضْرَابِ الِانْتِقَالِيِّ الْحَاصِلِ بِـ ﴿أَمْ﴾، صَارَ الْكَلَامُ افْتِتَاحًا مَحْضًا، وَبِذَلِكَ يُتَأَكَّدُ اعْتِبَارُ الِانْتِقَالِ مِنْ أُسْلُوبٍ إِلَى أُسْلُوبٍ، فَالِالْتِفَاتُ هُنَا غَيْرُ مَنْظُورٍ إِلَيْهِ عَلَى التَّحْقِيقِ."
(٤) مخطوط حاشية السيالكوتي على البيضاوي لوحة (٣٤٤ / أ - ب).
(٥) يقصد أن الإمام الطيبي سلك مسلك الإمام الزمخشري في تعلق (تشجيعا) بذكر الآية السابقة أي: "ذكر اختلاف الأمم السابقة... تشجيعا "، بخلاف الإمام أبي السعود فقد جعلها متعلقة بمخاطبة الرسول بهذه الآية أي: "خاطب الرسول ومن معه... تشجيعا"، وقد اختار الإمام السقا ما ذهب إليه الإمام أبو السعود؛ لأن في الآية الثانية تصريحا بالإنكار المستفاد من الهمزة وفيه تمام التشجيع.