..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وروى " حُجِبَتِ " (١)، والمراد بالمكاره: الاجتهاد في العبادات، والصبر على مشاقها، وكظم الغيظ، والعفو والحلم، والإحسان إلى المسئ، والصبر عن المعاصي. وأما الشهوات التي حجبت بها النار: فالشهوات المحرمة، كالخمر والزنا والغيبة والملاهي. وأما المباحة: فهي ما يكره الإكثار منه مخافة أن تجر إلى المحرمات، أو [تقسي] (٢)، أو تشغل عن الطاعات.
وهذا الحديث عَدُّوه من جوامع الكلم (٣)، ومعناه: لا يوصل للجنة إلا بارتكاب المكروهات، ولا للنار إلا بالشهوات، وهما محجوبتان بهما، فمن هتك الحجاب وصل إلى المحجوب، فهتك حجاب الجنة باقتحام المكاره، وهتك حجاب النار بالمشهيات. (٤)
والمكاره: جمع مَكْرَه، بمعنى ما يؤدي إلى ما يكره لمحبته، أو جمع مَكْرُوه (٥)." (٦) أهـ
فمعنى حفت: أحيطت بما يمنع وصولها في الموضعين. (٧)
_________
(١) أخرجه الإمام البخاري في " صحيحه " (٨/ ١٠٢)، رقم: ٦٤٨٧، كِتَاب: الرِّقَاقِ، بَاب: حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ، ولفظه: " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ، وَحُجِبَتِ الجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ»."
(٢) في ب: تغشى. والمثبت أعلى هو الصحيح.
(٣) روى البخاري في صحيحه أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ فَوُضِعَتْ فِي يَدِي» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ [أي: البخاري]: " وَبَلَغَنِي أَنَّ جَوَامِعَ الكَلِمِ: أَنَّ اللَّهَ يَجْمَعُ الأُمُورَ الكَثِيرَةَ - الَّتِي كَانَتْ تُكْتَبُ فِي الكُتُبِ قَبْلَهُ - فِي الأَمْرِ الوَاحِدِ، وَالأَمْرَيْنِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ." صحيح البخاري (٩/ ٣٦)، رقم: ٧٠١٣، كِتَاب: التَّعْبِيرِ، بَاب: المَفَاتِيحِ فِي اليَدِ.
فجوامع الكلم: ما قلت ألفاظه وكثرت معانيه. ينظر: كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم (١/ ٥٤٧).
وهي من الخصائص التي انفرد بها النبي - ﷺ - عن النبيين قبله، روى الإمام مسلم في صحيحه عن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ،.... إلخ " صحيح مسلم (١/ ٣٧١)، رقم: ٥٢٣، كِتَاب: الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةَ، باب: جُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا.
(٤) ينظر: شرح النووي على مسلم (١٧/ ١٦٥)، فتح الباري شرح صحيح البخاري (١١/ ٣٢٠)، فيض القدير شرح الجامع الصغير (٣/ ٣٨٨) [لزين الدين محمد المناوي ت: ١٠٣١ هـ، المكتبة التجارية الكبرى - مصر، ط: الأولى، ١٣٥٦ هـ].
(٥) يقول ابن الأثير في " النهاية في غريب الحديث " - مادة كره (٤/ ١٦٨): " المكارِه: هِيَ جَمْعُ مَكْرَه، وَهُوَ مَا يكرَهُه الْإِنْسَانُ ويَشُقُّ عَلَيْهِ، والكُرْه بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ: الْمَشَّقة."
(٦) حاشية الشهاب على البيضاوي (٢/ ٢٩٩).
(٧) ينظر: مجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل ولطائف الأخبار - مادة حفف (١/ ٥٤٠) [لمحمد طاهر الفَتَّنِي ت: ٩٨٦ هـ، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، ط: الثالثة، ١٣٨٧ هـ - ١٩٦٧ م]، المعجم الوسيط - باب الحاء (١/ ١٨٥)، معجم اللغة العربية المعاصرة - مادة حفف (١/ ٥٢٥).