..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الحروف، وأسماء الشرط متضمنة معناها؛ فلذلك قال: (في معنى)، وإليه أشار بقوله:
(أي: إن تفعلوا إلخ). (١)
وقوله: (يعلم كنهه): مأخوذ من صيغة المبالغة (٢) في الجملة الأسمية المؤكدة (٣)." (٤) أهـ
وكتب (ع):
" (في معنى الشرط) فإن ﴿مَا﴾ شرطية مفعول به لـ ﴿تَفْعَلُوا﴾، أي: أي شاء تفعلوا.
والفعل أعم من الإنفاق (٥)، سألوا عن خاص فأجيبوا بخاص، ثم أتى بالعموم في أفعال الخير؛ تأكيدا. (٦)

(١) أصل الشرط: أن يؤدى بـ (إن) أو غيرها من الحروف، ويشبهها في ذلك تسع أخوات، وهي: (مَنْ)، و (مَا)، و (أيّ)، و (مَهْمَا) وهذه أسماءٌ صريحة، و (مَتَى)، و (أَيْنَ)، و (أَنَّى)، و (حَيْثُما)؛ وهذه ظُروف، و (إِذْمَا) وهو حرف. فهذه تعمل عملها لتضمُّنها معناها، وفائدة الأسماء: الاختصار لِمَا فيها من العُموم لِمَا وُضعت له. فمثلا: (مَن) تعم ذوي العلم، و (مَا) تعم غير ذوي العلم.
ينظر: اللمع في العربية (١/ ١٣٣)، اللمحة في شرح الملحة (٢/ ٨٦٦).
(٢) صيغ المبالغة: هي صيغ محولة من صيغة " فاعل " للدلالة على المبالغة والتكثير، وتعمل عمله بشروطه، وهي صيغة: " فعال"، و" فعول"، و" مفعال "، و" فعيل"، و" فَعِل".
ينظر: توضيح المقاصد (٢/ ٨٥٣)، شرح ابن عقيل (٣/ ١١١)، ضياء السالك (٣/ ١٦).
(٣) يقصد: قوله تعالى: ﴿عَلِيمٌ﴾ في قوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾، فهي جملة اسمية مؤكدة بـ (إن).
قال الإمام الرازي في " مفاتيح الغيب " (٦/ ٣٨٣): " وَالْعَلِيمُ: مُبَالَغَةٌ فِي كَوْنِهِ عَالِمًا، يَعْنِي لَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، فَيُجَازِيكُمْ أَحْسَنَ الْجَزَاءِ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ: ﴿أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى﴾ [آل عمران: ١٩٥]، وَقَالَ: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: ٧]."
(٤) حاشية الشهاب على البيضاوي (٢/ ٣٠٠).
(٥) ينظر: روح المعاني (١/ ٥٠١)، التحرير والتنوير (٢/ ٣١٨).
وقال الإمام أبو حيان في " البحر المحيط " (٢/ ٣٨٧): " وقَوْلِهِ: ﴿مِّنْ خَيْرٍ﴾، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا﴾، هُوَ أَعَمُّ: مِنْ (خَيْرٍ)، الْمُرَادِ بِهِ الْمَالُ؛ لأنه مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ هُوَ الْفِعْلُ، وَالْفِعْلُ أَعَمُّ مِنَ الْإِنْفَاقِ، فَيَدْخُلُ الْإِنْفَاقُ فِي الفعل، فـ (خير)، هُنَا هُوَ الَّذِي يُقَابِلُ الشَّرَّ، وَالْمَعْنَى: وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ شَيْءٍ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ وَالطَّاعَاتِ.
وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ هُنَا: وَمَا تَفْعَلُوا، رَاجِعًا إِلَى مَعْنَى الْإِنْفَاقِ، أَيْ: وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ إِنْفَاقِ خَيْرٍ، فَيَكُونُ الْأَوَّلُ بَيَانًا لِلْمَصْرِفِ، وَهَذَا بَيَانٌ لِلْمُجَازَاةِ، وَالْأَوْلَى الْعُمُومُ؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ إِنْفَاقَ الْمَالِ وَغَيْرَهُ، وَيَتَرَجَّحُ بِحَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنَ الْعُمُومِ."
(٦) حيث قيل أولا: ﴿يَسْ‍ئَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ﴾ فكانت الإجابة: ﴿قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ﴾، ثم قال ثانيا: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ﴾، ولم يقل: (وما تنفقوا من خير).


الصفحة التالية
Icon