..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ويرد عليه: أنه لا يجوز اقترانها بالواو، فينبغي أن تجعل منتقلة (١)؛ لأنه قد يكون مكروها عند كثرة العدو، وقد لا يكون، وهذا الذي ذكره صرح به ابن مالك (٢) (٣)، لكن نظر فيه ابن هشام.
ووجهه: أن واو الحال بحسب الأصل عاطفة، والمؤكِد لايُعطف بها على المؤكَد، لكنهم نصوا
_________
(١) الحال المؤكدة: هي حال لازمة، وهذا اللزوم يكون بسبب وجود علاقة بين الحال وبين صاحبها أو عاملها، عقلا. أو عادة. أو طبعا. وإن لم تكن في نفسها دائمة.
والحال المؤكدة على ثلاثة أنواع:
الأول: المؤكدة لمضمون الجملة التي قبلها، بحيث يتفق معنى الحال ومضمون الجملة، فتلازم صاحبها تبعا لذلك. ويشترط في هذه الجملة: أن تكون اسمية، وأن يكون طرفاها -وهما المبتدأ والخبر- معرفتين جامدتين، ولا بد أن يتأخر الحال عنهما وعن العامل. نحو: ﴿هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ [فاطر: ٣١].
الثاني: المؤكدة لعاملها، إما في اللفظ والمعنى، نحو: ﴿وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا﴾ [النساء: ٧٩].
أو في المعنى فقط نحو: ﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف: ٧٤].
الثالث: وهي الحال المؤكدة لمعنى صاحبها، نحو قوله تعالى: ﴿لَأمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا﴾ [يونس: ٩٩].
والأصل في الحال: الإفراد وقد يجيء جملة، وقد سبق بيان أن جملة الحال لابد فيها من رابط يربطها بصاحبها، وهذا الرابط إما ضمير وإما الواو، وهناك سبع حالات يمتنع اقتران جملة الحال بالواو، منها: الحال المؤكدة لمضمون الجملة قبلها، نحو: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ﴾ [البقرة: ٢]، فكما أنه لا يجوز دخول الواو في التوكيد في نحو: " جاء زيد نفسه "، لا تدخل هنا؛ لأن المؤكِد نفس المؤكَد في المعنى، فلو دخلت الواو في التوكيد ستكون في صورة عطف الشيء على نفسه.
وهذا بخلاف الحال المؤكدة لعاملها، فقد تقترن بالواو، نحو: ﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ﴾ [البقرة: ٨٣].
أما الحال المنتقلة: فهي التي ليست ملازمة للمتصف بها، بل تبين هيئة صاحبها مدة مؤقتة. نحو: "جاء زيدٌ راكبًا "، فـ "راكبًا" حالٌ، وليس الركوبُ بصفةٍ لازمةٍ ثابتةٍ، إنّما هي صفةٌ له في حالِ مَجِيئه. وقد ينتقِل عنها إلى غيرها، وليس في ذِكْرها تأكيدٌ لما أخبر به، وإنّما ذُكرتْ زيادةً في الفائدة وفضلةً.
ينظر: شرح المفصل لابن يعيش (٢/ ٢٢)، توضيح المقاصد (٢/ ٧١٦)، شرح ابن عقيل (٢/ ٢٧٦ - ٢٧٨)، شرح التصريح (١/ ٦٠٥ - ٦١١)، النحو الوافي (٢/ ٣٩٧) [لعباس حسن ت: ١٣٩٨ هـ، دار المعارف، ط: الطبعة الخامسة عشرة].
(٢) ابن مالك: هو محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك الطائي الجيّاني، أبو عبد الله، جمال الدين، المتوفى: ٦٧٢ هـ، إِمَام النُّحَاة وحافظ اللُّغَة. ولد في جيان (بالأندلس) وانتقل إلى دمشق فتوفي فيها. كان عالما بالنحو والصرف والقراءات وأشعار العرب، هذا مع ما هو عليه من الدين والعبادة، وكثرة النوافل، وكمال العقل. أشهر كتبه: (الألفية) في النحو، و (تسهيل الفوائد) وشرحه له، و (الكافية الشافية) أرجوزة في النحو ثلاثة آلاف بيت، وشرحها له، و (لامية الأفعال)، و (عدة الحافظ وعمدة اللافظ)، وشرحها، و (شواهد التوضيح) و (إكمال الإعلام بمثلث الكلام)، و (تحفة المودود في المقصور والممدود).
ينظر: البلغة في تراجم أئمة النحو (١/ ٢٦٩)، بغية الوعاة (١/ ١٣٠)، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب (٢/ ٢٢٢) [لأحمد المقري التلمساني ت: ١٠٤١ هـ، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر- بيروت].
(٣) ينظر: شرح التسهيل، لابن مالك (٢/ ٣٥٩).