..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فقالت قريش: قد استحل محمد الشهر الحرام، فسفك [فيه] (١) الدماء، وأخذ الحوائب (٢).
وعَيَّر بذلك أهل مكة من كان بها من المسلمين، وقالوا: يا معشر الصبأة (٣)، استحللتم الشهر الحرام، وقاتلتم فيه.
فبلغ ذلك رسول الله - ﷺ - فقال لابن جحش وأصحابه: " ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام." ووقف العير والأسيرين، وأبى أن يأخذ شيئا من ذلك، فعظم ذلك على أصحاب السرية، وظنوا أنهم قد هلكوا وسقط في أيديهم (٤)، وقالوا: يا رسول الله إنا أخذنا الحضرمي، ثم أمسينا فرأينا هلال رجب، فلا ندري أفي رجب أصبناه أم في جمادى.
وأكثر الناس في ذلك (٥)، فأنزل الله الآية، فأخذ النبي العير، فعزل منها الخمس، فكان أول خمس في الإسلام، وقسم الباقي بين أصحاب السرية، وكان أول غنيمة في الإسلام.
وبعث أهل مكة في فداء أسيريهم فقال: بل نبقيهما حتى يقدم سعد وعتبة، فإن لم يقدما قتلناهما بهما، فلما قدما فاداهما.
_________
(١) في ب: فيها، والأصح فيه؛ لأن الضمير يعود على الشهر.
(٢) الحوائب: جمع، الحَوْأَب: وهو الواسِعُ من الأوْدِيَةِ ومن السِّقَاءِ - والدِّلاءِ - جمع دَلْوٍ- وغيرِها. والحَوْأَبَةُ: المَزَادَةُ العَظيمةُ الرَّقِيْقَةُ. ينظر: المحيط في اللغة - مادة حوب (١/ ٢٥٦) [للصاحب بن عباد ت: ٣٨٥ هـ]، تاج العروس - مادة حأب (٢/ ٢١٢).
(٣) الصبأة: جمع: صَابِئ، وتقال لكلّ خارج من الدّين إلى دين آخر، أما الصَّابِئُونَ: فقوم يزعمون أنهم على دين نوح - عليه السلام -. ينظر: المحكم والمحيط الأعظم - باب الصاد والباء والهمزة (٨/ ٣٥٤) [لعلي بن سيده المرسي ت: ٤٥٨ هـ، تحقيق: عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية - بيروت، ط: الأولى، ١٤٢١ هـ - ٢٠٠٠ م]، المفردات - مادة صبا (١/ ٤٧٥).
(٤) سقط في أيديهم: عبارة مجازية تستخدم كناية عن الحسرة والندم، وأصلها قول الله تعالى: ﴿وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا﴾ [الأعراف: ١٤٩]، وهو نَظْم لم يسمع قبل القرآن، ولا عَرَفَتْهُ العرب، ولم يوجد قبل ذلك في أشعارهم. وأما ذكر اليد؛ فلأن النادم يعضُّ على يديه، ويَضْرِبُ إحداهما بالأخرى تَحَسُّراً؛ كما قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ﴾ [الفرقان: ٢٧]، وكما قال أيضا: ﴿فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا﴾ [الكهف: ٤٢]؛ فلهذا أضيف سقوط الندم إلى اليد.
ينظر: معاني القرآن وإعرابه، للزجاج (٢/ ٣٧٨)، نثر الدرر في المحاضرات (٦/ ٨٧)، مجمع الأمثال (١/ ٣٣٠).
(٥) أي: أكثروا الحديث في ذلك.