..................................
_________
=واختار هذا القول: الإمام الطبري في تفسيره (٤/ ٣١٣)، الإمام النحاس في " الناسخ والمنسوخ " (١/ ١٢١)، الإمام الماوردي في " النكت والعيون " (١/ ٢٧٤)، الإمام ابن عطية في " المحرر الوجيز " (١/ ٢٩٠)، الإمام ابن الجوزي في " زاد المسير " (١/ ١٨٢)، الإمام النسفي في مدارك التنزيل (١/ ١٨٠).
الثاني: أن هذه الآية محكمة غير منسوخة. والذي رجح هذا القول هو الإمام أبو حيان في " البحر المحيط " (٢/ ٣٨٤) حيث قال: " وَقَالَ عَطَاءٌ: لَمْ تُنْسَخْ، وَحَلَفَ بِاللَّهِ مَا يَحِلُّ لِلنَّاسِ أَنْ يَغْزُوَ فِي الْحَرَمِ، وَلَا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ إِلَّا أَنْ يُقَاتَلُوا فِيهِ، وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا.
وَرَوَى جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يَغْزُو فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ إِلَّا أَنْ يُغْزَى، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾.
وَرَجَحَ كَوْنُهَا مُحْكَمَةً بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَبِمَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَى ابْنَ الْحَضْرَمِيِّ، وَرَدَّ الْغَنِيمَةَ وَالْأَسِيرَيْنِ، وَبِأَنَّ الْآيَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ بَعْدَهَا عَامَّةٌ فِي الْأَزْمِنَةِ وَهَذَا خَاصٌّ، وَالْعَامُّ لَا يَنْسَخُ الْخَاصَّ بِاتِّفَاقٍ."
الثالث: أن هَذِهِ الْآيَة لَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى تَحْرِيمِ الْقِتَالِ مُطْلَقًا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى تَقْدِيرِ النَّسْخِ فِيهِا؛ لأن قَوْله: ﴿قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ فَيَتَنَاوَلُ فَرْدًا وَاحِدًا، وَلَا يَتَنَاوَلُ كُلَّ الْأَفْرَادِ.
واختار هذا الرأي الإمام الرازي في " مفاتيح الغيب " (٦/ ٣٨٨)، والإمام البيضاوي في تفسيره (١/ ١٣٧).
لكن رد هذا القول صاحب تفسير " المنار " (٢/ ٢٥١) حيث ذكر قول الإمام البيضاوي، ثم قال: " وَهَذَا الْقَوْلُ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ فَإِنَّ دَلَالَةَ الْآيَةِ عَلَى الْمَنْعِ الْمُطْلَقِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِ لَفْظِ الْقِتَالِ فِيهَا عَامًّا، وَرُبَّمَا كَانَتْ دَلَالَةُ النَّكِرَةِ فِيهَا أَدَلَّ عَلَى إِطْلَاقِ الْحُكْمِ فِي كُلِّ قِتَالٍ فِي جِنْسِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ."
ورده أيضا الإمام السعد في " حاشيته على الكشاف " لوحة (١٣٦ / أ) حيث قال: " بل هو عام بعموم الوصف، أو بقرينة المقام، ولو سلم فقتال المشركين مراد قطعا؛ لأن قتال المسلمين حرام مطلقا من غير تقييد بالأشهر الحرم."
وقد رد الإمام عبد الحكيم في " حاشيته على البيضاوي " على رأي الإمام السعد. تنظر: عبارته الأخيرة.
وفي نهاية المسألة نذكر قول الإمام الطاهر بن عاشور في " التحرير والتنوير " (٢/ ٣٢٧) ملخصا: "وَأَحْسَنُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْآيَةَ قَرَّرَتْ حُرْمَةَ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ؛ لِحِكْمَةِ تَأْمِينِ سُبُلِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ إِلَى أَنْ أَبْطَلَ النَّبِي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَجَّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي عَامِ حَجَّةِ أَبِي بَكْرٍ بِالنَّاسِ، إِذْ قَدْ صَارَتْ مَكَّةُ بِيَدِ الْمُسْلِمِينَ، وَدَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ قُرَيْشٌ وَمُعْظَمُ قَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَالْبَقِيَّةُ مُنِعُوا مِنْ زِيَارَةِ مَكَّةَ، وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَقْتَضِي إِبْطَالَ تَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ فِيهَا لِأَجْلِ تَأْمِينِ سَبِيلِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. وَقَدْ تَعَطَّلَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُشْرِكِينَ، وَلَمْ يَبْقَ الْحَجُّ إِلَّا لِلْمُسْلِمِينَ وَهُمْ لَا قِتَالَ بَيْنَهُمْ، فَتَسْمِيَتُهُ نَسْخًا تَسَامُحٌ، وَإِنَّمَا هُوَ انْتِهَاءُ مَوْرِدِ الْحُكْمِ، فَمَعْنَى نَسْخِ تَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ أَنَّ الْحَاجَةَ إِلَيْهِ قَدِ انْقَضَتْ، كَمَا انْتَهَى مَصْرِفُ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ مَصَارِفِ الزَّكَاةِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِانْقِرَاضِهِمْ."


الصفحة التالية
Icon