ضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم، وقالوا لهم ما ذكر الله سبحانه (١).
﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ﴾ أي: يقبض أرواحهم ملك الموت، وقوله ﴿تَوَفَّاهُمُ﴾ إن شئت جعلته ماضيًا، فيكون في موضع النصب، وإن شئت جعلته رفعا على المستقبل، والمعنى: تتوفاهم (٢)، وأراد بالملائكة ملك الموت؛ لأن الله تعالى قد يجمل الخطاب في موضع ويفسره في موضع، فيكون الحكم للمفسر ويرد المجمل إليه، يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ﴾، يحتمل أن يكون أراد به ملك الموت، واحتمل أن يكون غيره؛ لكنه لما فسره في موضع آخر بقوله تعالى: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ﴾ (٣) علم أن المراد من قوله: ﴿تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ﴾ ملك الموت والله أعلم.
فإن قيل: فلم أخرجه بلفظ الجماعة؟ قيل: قد يرد الخطاب بلفظ الجمع والمراد منه الواحد، كقوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ﴾ ولا شك أن الله واحد، ومثله في القرآن كثير.

(١) أخرجه الطبري في "جامع البيان" ٥/ ٢٣٤، وابن أبي حاتم في "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٠٤٦، وعبد بن حميد، كما في "الدر المنثور" ٢/ ٣٦٥ عن عكرمة.
وأخرجه الطبري أيضًا في "جامع البيان" ٥/ ٢٣٤ وفيه أنَّه قال: أبو قيس بن الفاكه، وكذا وقع في "السيرة النبوية" لابن هشام ٢/ ٢٩٤: أبو قيس بن الفاكه، وأبو قيس بن الوليد.
وانظر: "تفسير القرآن" لعبد الرزاق ١/ ١٧٢.
(٢) هذا معنى مقالة الفراء في "معاني القرآن" ١/ ٢٨٤، والزجاج في "معاني القرآن" ٢/ ٩٤.
(٣) السجدة: ١١.


الصفحة التالية
Icon