وقوله: ﴿مَا لَمْ نُمَكِّنْ﴾: من خطاب التلوين (١)، كقوله: ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ﴾ (٢).
وقال أهل البصرة (٣): أخبر عنهم بقوله: ﴿أَلَمْ يَرَوْا﴾ وفيهم محمد - ﷺ - وأصحابه، ثم خاطبهم معهم (٤).
والعرب تقول: قلت لعبد الله: ما أكرمه، وقلت لعبد الله: ما أكرمك.
﴿وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ أي: خلقنا وابتدأنا ﴿قَرْنًا آخَرِينَ﴾ (٥).

(١) وهذا اللفظ يطلقه أهل التفسير، والمراد به ما يطلق عليه البلاغيون: الالتفات.
وذكره الزركشي، في النوع الحادي والعشرين من أنوع مخاطبات القرآن، فقال: خطاب التلوين. وسمَّاه الثعلبي: المتلون، كقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [الطلاق: ١] ﴿قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى﴾ [طه: ٤٩] ويسمِّيه أهل المعاني: الالتفات. "البرهان" ٢/ ٢٤٦، ومعناه: التعبير عن معنى بطريق من الطرق الثلاثة التكلم والخطاب والغيبة، بعد التعبير عنه بطريق آخر منها. "الإيضاح في علوم البلاغة" للخطيب القزويني، ص ٧٢.
(٢) يونس: ٢٢.
(٣) البصرة: مدينة كبرى من مدن العراق، قيل: سُمِّيت بذلك؛ لأن فيها حجارة ليست صلبة. مصَّرها المسلمون في عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وكانت حاضرة من حواضر اللغة والأدب "معجم البلدان" ١/ ٤٣١.
(٤) "معالم التنزيل" للبغوي ٣/ ١٢٨، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي ٦/ ٣٩٢.
(٥) في (ت): (وأنشأنا وخلقنا وابتدأنا، من بعدهم، قرنًا آخرين) وكلاهما حسن.


الصفحة التالية
Icon