فأقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقام المشركون عليه بضعًا وعشرين ليلة قريبًا من شهر، ولم يكن بين القوم حرب إلَّا الرمي بالنبل والحصي (١).
فلما اشتد البلاء على النَّاس بعث رسول الله - ﷺ - إلى عيينة بن حصن، وإلى الحارث بن عوف وهما قائدا غطفان فأعطاهما ثلث أثمار المدينة، على أن يرجعوا بمن معهما عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، فجرى بينهم وبينه الصلح حتَّى كتبوا الكتاب، ولم تقع الشهادة، فذكر رسول الله - ﷺ - لسعد بن معاذ وسعد بن عبادة واستشارهما فيه، فقالوا: يَا رسول الله، لشيء أمرك الله به لا بد لنا من عمل به، أم أمر تحبه فتضعه، أم شيء تصنعه لنا؟ فقال: "لا، بل لكم، والله ما أصنع ذلك إلَّا أني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وكَالَبُوكم (٢) من كل جانب، فأردت أن أكسر عنكم شوكتهم".
فقال له سعد بن معاذ: يَا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على شرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن

(١) رواه الطبري في "جامع البيان" ٢١/ ١٣١ عن عروة بن الزُّبير، وفيه: (إلَّا الرمي بالنبل والحصار).
(٢) كالَبُوكم: يقال: هم يتكالبون على كذا أي؛ يتواثبون عليه، وكالب الرَّجل: ضايقه، وتكالب النَّاس على الأمر: حرصوا عليه حتَّى كأنهم كلاب، وكلب الدهر على أهله: إذا ألح عليهم واشتد. والمراد هنا أن الكفار تجمعوا على المسلمين في المدينة وتواثبوا عليهم ليستأصلوهم.
انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير ٤/ ١٩٥ - ١٩٦ (كلب). "لسان العرب" لابن منظور ٢/ ٢٠٠ (كلب).


الصفحة التالية
Icon