فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة، وكان لهم نديمًا (١) في الجاهلية، فقال لهم: يا بني قريظة، قد عرفتم ودي إياكم، وخاصة ما بيني وبينكم. قالوا: صدقت لست عندنا بمُتَّهم.
فقال لهم: إن قريشًا وغطفان جاءوا لحرب محمد، وقد ظاهرتموهم عليه، وإن قريشًا وغطفان ليسوا كهيئتكم، البلد بلدكم به أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم، لا تقدرون على أن تحولوا منه إلى غيره، وإن قريشًا وغطفان أموالهم وبلادهم وأبناؤهم ونساؤهم بعيدة، إن رأوا نهرة (٢) وغنيمة أصابوها، وإن كانوا غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل، والرجل ببلدكم لا طاقة لكم به

= فائدة: وهنا لم يأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- بكذب من غير معاريض، فإن في المعاريض مندوحة كما قال: (من ماء).
واتفق العلماء على جواز خداع الكفار في الحرب، وكيف أمكن الخداع إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يحل، وقد صح في الحديث جواز الكذب في ثلاثة أشياء، أحدها في الحرب، قال الطبري: إنما يجوز من الكذب في الحرب المعاريض دون حقيقة الكذب فإنه لا يحل.
والظاهر إباحة حفيقة نفس الكذب لكن الاقتصار على التعريض أفضل، والله أعلم.
انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي ١٢/ ٤٥، كتاب الجهاد، باب جواز الخداع في الحرب.
(١) النديم الذي يرافقك ويشاربك. انظر: "لسان العرب" لابن منظور ١٦/ ٥٠ (ندم).
(٢) النهرة: الخلسة، من المنهر وهو خرق في الحصين نافذ يجري منه الماء، ومنه قولهم: نهر ينهر أي: بلغ الماء، والمراد هنا بلوغ المراد وانتهاز الفرص.
انظر: "لسان العرب" لابن منظور ٧/ ٩٥ (نهر).


الصفحة التالية
Icon