مقام، قد هلك الخف والحافر فأعدوا للقتال حتى نناجز (١) محمدًا ونفرغ فيما بيننا وبينه. فأرسلوا إليهم أن اليوم سبت، وهو يوم لا نعمل فيه شيئًا، وقد كان أحدث بعضنا فيه حدثًا فأصابه ما لا يخفى عليكم (٢)، ولسنا مع ذلك بالذي نقاتل معكم حتى تعطونا رهنًا من رجالكم يكونوا بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمدًا، فإنا نخشى إن ضرستكم (٣) الحرب، واشتد عليكم القتال أن تسيروا إلى بلادكم وتتركونا والرجل في بلدنا لا طاقة لنا بذلك من محمد. فلما رجعت إليهم الرسل بالذي قالت بنو قريظة، قالت قريش وغطفان: تعلمن والله أن الذي حدثكم نعيم بن مسعود لحق، فأرسولوا إلى بني قريظة أنّا لا ندفع إليكم رجلًا واحدًا من رجالنا، فإن كنتم تريدون القتال فأخرجوا فقاتلوا. فقالت بنو قريظة حين انتهت الرسل

(١) نناجِز: نقاتل، ونبارز، والمُناجَزة في الحَرْب المُبارزَة. ومنه حديث عائشة (قالت لابن السائب: ثلاثٌ تَدَعهُنَّ، أو لأناجِزَنك) أي: لأُقاتلَنَّك وأخاصمنَّك.
انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير ٥/ ٢٠ (نجز).
(٢) وكان الذي حدث أن ناسا من اليهود -وهم أهل قرية أيلة على قول أغلب المفسرين- انتهكوا محارم الله، وخالفوا عهده وميثاقه فيما أخذه عليهم من تعظيم السبت، فتحيلوا على اصطياد الحيتان بما وضعوا لها من أدوات الصيد قبل يوم السبت ثم أخذوها بعد ذلك، فمسخهم الله قردة خاسئين لمخالفتهم لأمره، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، فتحلوا محارم الله بأدنى الحيل" رواه ابن بطة، وصححه الألباني في "آداب الزفاف" (ص ١٠٤).
(٣) ضرسته الحرب تضرسه: عضته، وحرب ضروس: أكول عضوض، وضرس بنو فلان بالحرب إذا لم ينتهوا حتى يقاتلوا. انظر: "لسان العرب" لابن منظور ٧/ ٤٢٤ (ضرس).


الصفحة التالية
Icon