قال: "بلى، إن شئت"، قال: فقامت على باب حجرتها، وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب -فقالت: يا أبا لبابة، أبشر فقد تاب الله عليك. قال: فثار الناس إليه ليطلقوه، فقال: لا والله حتى يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو الذي يطلقني بيده. فلما مرّ عليه خارجًا إلى الصبح أطلقه (١).
قال: ثم إن ثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسد بن عبيد، وهم نفر من بني أسد ليسوا من بني قريظة ولا النضير، نسبهم فوق ذلك هم بنو عم القوم أسلموا تلك الليلة التي نزلت فيها قريظة على حكم رسول الله - ﷺ - وخرج في تلك الليلة عمرو بن سعدي القرظي، فمر بحرس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعليها محمد بن مسلمة الأنصاري تلك الليلة، فلما رآه قال: من هذا؟، قال: عمرو بن سعدي -وكان عمرو قد أبى أن يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول الله - ﷺ -، قال: لا أغدر بمحمد أبدًا فقال محمد بن مسلمة حين عرفه: اللهم لا تحرمني إقالة عثرات الكرام. ثمَّ خلَى سبيله، فخرج على وجهه حتى بات في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة تلك الليلة، ثم ذهب فلا يدرى أين ذهب من أرض الله إلى يومنا هذا، فذكر لرسول الله - ﷺ - شأنه، فقال: "ذلك رجل نجاه الله بوفائه"، وبعض الناس يزعم أنه كان
(١) قال ابن كثير: إسناده جيد وله شواهد من وجوه كثيرة. "البداية والنهاية" ٤/ ١٢٤.