..................................

= زالت الأسباب الكريمة، والوسائل السليمة تحيط به من جميع جوانبه والطرائف النجيبة تشتمل على جملة ضرائبه، فهو سالم عن العيب، بريء من الريب، ينتقل من كرامة على كرامة، ولا يتنزل إلا منازل السلامة، أكرم الخلق سليقة وأصحابا، وكانت عصمته من الله فضلا لا استحقاقًا، وكرامة له ورحمة به وتفضل عليه، فلم يقع قط لا في ذنب صغير حاشا لله ولا كبير، ولا وقع في أمر يتعلق به لأجله نقص ولا تغيير، وهذِه الروايات كلها ساقطة الأسانيد، إنما الصحيح منها ما روي عن عائشة أنها قالت: لو كان رسول الله - ﷺ - كاتمًا من الوحي شيئًا لكتم هذِه الآية.. قال القاضي: وما وراء هذِه الرواية غير معتبر، فأما قولهم: إن النبي - ﷺ - رآها فوقعت في قلبه فباطل، فإنه كان معها في كل وقت وموضع، ولم يكن حينئذ حجاب، فكيف تنشأ معه وينشأ معها ويلحظها في كل ساعة، ولا تقع في قلبه إلا إذا كان لها زوج وقد وهبته نفسها، وكرهت غيره، فلم تخطر بباله، فكيف يتجدد له هوى لم يكن؟ !، حاشا لذلك القلب المطهر من هذِه العلاقة الفاسدة. وقد قال الله له: ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾. والنساء أفتن الزهرات وأنشر الرياحين، فيخالف هذا في المطلقات، فكيف في المنكوحات المحبوسات، وإنما كان الحديث أنها لما استقرت عند زيد جاءه جبريل: إن زينب زوجك، ولم يكن بأسرع أن جاءه زيد يتبرأ منها، فقال له: "اتق الله، وأمسك عليك زوجك"، فأبى زيد إلا الفراق، وطلقها وانقضت عدتها، وخطبها رسول الله - ﷺ - على يدي مولاه زوجها، وأنزل الله القرآن المذكور فيه خبرهما.. وهذا يدلك على براءته من كل ما ذكره متسور من المفسرين، مقصور على علوم الدين. انظر: "أحكام القرآن" ٣/ ١٥٤٢ - ١٥٤٤.
فائدة: يجب على الناس أن ينظروا في دينهم نظرهم في أموالهم، وهم لا يأخذون في البيع دينارا معيبا، وإنما يختارون السالم الطيب، كذلك لا يؤخذ من الروايات عن النبي - ﷺ - إلا ما صح سنده، لئلا يدخل في حيز الكذب على رسول الله - ﷺ - فبينما هو يطلب الفضل إذا به قد أصاب النقص، بل ربما أصاب الخسران المبين.


الصفحة التالية
Icon