﴿أَوِّبِي﴾ سبحي (١) ﴿مَعَهُ﴾ إذا سبح (٢).

= مسألة: قال ابن العربي رحمه الله: وقد سمعت تاج القراء ابن لفتة بجامع عمرو يقرأ: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ﴾ فكأني ما سمعت الآية قط. وسمعت ابن الرفاء -وكان من القراء العظام- يقرأ وأنا حاضر بالقرافة فكأني ما سمعتها قط. وسمعت بمدينة السلام شيخ القراء البصريين يقرأ في دار بها الملك: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ﴾ فكأني ما سمعتها قط حتى بلغ إلى قوله تعالى: ﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ فكأن الإيوان قد سقط علينا. والقلوب تخشع بالصوت الحسن كما تخضع للوجه الحسن، وما تتأثر به القلوب في التقوى فهو أعظم في الأجر، وأقرب إلى لين القلوب وذهاب القسوة منها، وقد كان ابن الكازاروني يقرأ في مهد عيسى فيسمع من الطور، فما يقدر أحد أن يصنع شيئاً طول قراءته إلا الاستماع إليه، وكان صاحب مصر الملقب بالأفضل قد دخلها في المحرم سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة وحولها عن أيدي العباسية، وهز حنق عليها وعلى أهلها بحصاره لهم وقتالهم له، فلما صار فيها وتدانى بالمسجد الأقصى منها وصلى ركعتين تصدى له ابن الكازاروني وقرأ: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فما ملك نفسه حين سمعه أن قال للناس على عظم ذنبهم عنده، وكثرة حقده عليهم: ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾.
والأصوات الحسنة نعمة من الله تعالى، وزيادة في الخلق ومنة. وأحق ما لبست هذِه الحلة النفيسة والموهبة الكريمة كتاب الله؛ فنعم الله إذا صرفت في الطاعة فقد قضي بها حق النعمة. "أحكام القرآن" ٤/ ١٥٩٦ - ١٥٩٧
وللمزيد انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي ١/ ١١ وما بعدها، ١٤/ ٢٦٥، ٣١٨.
(١) رواه الطبري في "جامع البيان" ٢٢/ ٦٥ - ٦٦، عن ابن عباس وأبي عبد الرحمن ومجاهد وأبي نجيح وابن زيد والضحاك، ورواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" ١٧/ ٩٢، عن أنس، عن الزهري.
(٢) في (م) فيها تقديم وتأخير: أوبي معه سبحي معه إذا سبح.


الصفحة التالية
Icon