ويقال: إن داود -عليه السلام- كان إذا تخلل الجبال فسبح الله سبحانه

= تعجباً من عظيم خلقها وقدرة خالقها، وقيل: إنها كانت تسير مع داود -عليه السلام- فكان من رآها تسير سبح "فتح القدير" ٣/ ٤١٩ فالعجب ممن حمل سير الجبال مع داود -عليه السلام- على الحقيقة وأجازه، ومنع تسبيحها على الحقيقة وجعله مجازاً بمعنى أن من رآها سبح! !، أليس التسبيح والسير من الإدراكات التي أودعها الله -عز وجل- في الكائنات وتدل على عظيم سلطانه سبحانه؟ !. قال القرطبي رحمه الله في "الجامع لأحكام القرآن" ١٥/ ١٥٩: وأن ذلك التسبيح تسبيح مقال على الصحيح من الأقوال، وكان عند طلوع الشمس وغروبها.
قال الشنقيطي رحمه الله في "أضواء البيان" ٤/ ٦٧٢: والتحقيق أن تسبيح الجبال والطير مع داود -عليه السلام- تسبيح حقيقي؛ لأنَّ الله جل وعلا يجعل لها إدراكات تسبح بها يعلمها هو جل وعلا، ونحن لا نعلمها كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ الآية.
ومذهب أهل السنة أن لله علماً في الجمادات وسائر الحيوانات سوى العقلاء لا يقف عليه غيره، ولها صلاة وتسبيح وسجود كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء: ٤٤] وقال: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ﴾ [الحج: ١٨] قال ابن تيمية رحمه الله: وأما تفسير سجودها وتسبيحها بنفوذ مشيئة الرب وقدرته فيهما، ودلالتهما على الصانع فقط، فالاقتصار على هذا باطل، فإن هذا وصف لازم دائم لها، لا يكون في وقت دون وقت، وهو مثل كونها مخلوقة محتاجة فقيرة إلى الله تعالى، وعلى هذا فالمخلوقات كلها لا تزال ساجدة مسبحة، وليس المراد هذا فإنَّه قال تعالى: ﴿إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ﴾ [ص: ١٨] وقال: ﴿كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾ [النور: ٤١] فقد أخبر - سبحانه وتعالى - عنه أنَّه يعلم ذلك ودلالتها على الرب يعلمه عموم الناس، وأيضاً فقد أخبر تعالى في القرآن عن كلام الهدهد والنمل، وأن سليمان عُلِّم منطق الطير مما يدل على الاختصاص وهذا في الحيوان... والقرآن يدل على أن السجود والتسبيح أفعال لهذِه المخلوقات.. وقال: وهناك طائفة تدعي أن افتقارها =


الصفحة التالية
Icon