فسلك الجيش ذلك الطريق، فلمّا رأت خيل قريش قترة الجيش (١) وأنّ رسول الله - ﷺ - قد خالفهم عن طريقهم ركضوا راجعين (٢) إلى قريش ينذرونهم، وسار رسول الله - ﷺ - حتّى إذا سلك ثنية [المُرار (٣)] (٤) بركت به ناقته، فقال الناس: حَل حَل (٥)، فقال: "ما حل؟ " فقالوا: خلأت (٦) القَصواء، فقال - ﷺ -: "ما خلأت، ولا ذلك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل".
ثمّ قال: "والّذي نفسي بيده، لا تدعوني قريش اليوم إلى خُطَّة يُعظمون بها حرمات الله تعالى، وفيها صلة الرحم إلّا أعطيتهم إيّاها"، ثمّ قال للناس: "انزلوا"، فنزلوا بأقصى الحديبية على بئر قليلة الماء، إنّما يَتَبَرَّضُه (٧) الناسُ تَبَرُّضًا، فلم يلبث الناس أن

(١) قَتَرة الجيش: غَبَرة الجيش. "النهاية" لابن الأثير ٤/ ١٢.
(٢) في (م): راكضين.
(٣) في النسخ (المران)، والمثبت من كتب المصادر والمراجع.
(٤) ثَنِيَّةُ المُرار: بضم الميم وتخفيف الراء وهو حشيشة مرة إذا أكلتها الإبل قلصت مشافرها، وثنية المرار: إذَا وَقَفْت في الحُدَيْبِيَةِ وَنَظَرْت شَمَالًا عَدْلًا رَأَيْت جَبَلَيْنِ بَارِزينِ بَيْنَك وَبَيْنَهُمَا وَادِي مَرَّ الظَّهْرَانِ، بَيْنَهُمَا فَجٌّ وَاسِعٌ، هذا الفَجُّ هُوَ ثَنيَّةُ المرَارِ، وَتُعْرَفُ اليَوْمَ بِفَجِّ الكَرِيمِيَّ، وَقَوْلُهُ: مَهْبِطِ الحُدَيْبِيَةِ غَيْرُ وَاضِحٍ، فَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ يُعْرَفُ اليَوْمَ مَوْقِعُهَا بالشميسي. انظر: "معجم البلدان" ٢/ ٨٥، و"المعالم الجغرافية الواردة في السيرة" (٥٣٢).
(٥) حَل: كلمة تقال للناقة إذا تركت السير. "الفتح" ٥/ ٣٣٥.
(٦) خلأت: الخلاء للنوق كالإلحاح للجمال، والحِران للدواب. "النهاية" لابن الأثير ٢/ ٥٨.
(٧) التبرُّض: هو الأخذ قليلًا قليلًا. "الفتح" ٥/ ٣٣٧.


الصفحة التالية
Icon