هذا بحين الأَنْواء، قال: فصلى ركعتين ودعا ربَّه، فهاجت ريحٌ ثمَّ هاجت سحابة، فمُطرنا حتى سالت الأودية، وملؤوا الأسقية، ثمَّ ركب النبي - ﷺ - فمرَّ ومعه عصابة من أصحابه برجل يغترف بقدح له، وهو يقول: سُقينا بنوء كذا وكذا، ولم يقل هذا من رزق الله، فأنزل الله -عز وجل-: ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ﴾ (١) أي: شكركم الله على رزقه إياكم أنَّكم تكذبون بالنعمة (٢)، ويقولون: سُقينا بنَوء كذا وكذا، وهذا كقول القائل: جعلت إحساني إليك إساءة منك إليَّ، وجعلت شكر إكرامي لك أنَّك اتَّخذتني عدوًّا (٣)، فمجاز الآية: وتجعلون شكر رزقكم، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، كقوله تعالى: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ (٤) ونحوها (٥).
قال الشاعر:

فكأنَّ شكر القوم عند المُنَى كيُّ الصحيحات وفقْءُ الأعينِ (٦)
(١) أورد الواحدي نحوه في "أسباب النزول" (٤٢٣) بغير إسناد، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٣٣ - ٢٣٤، وعزاه لابن مردويه بنحوه.
(٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ١١٦، "معالم التنزيل" للبغوي ٨/ ٢٤، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي بنحوه ١٧/ ٢٢٨.
(٣) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي ١٧/ ٢٢٨، وفيه: وجعلت إنعامي لديك أنَّ اتخذتني عدوًّا.
(٤) يوسف: ٨٢.
(٥) انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ٤/ ٣٤٤.
(٦) انظر: "البحر المحيط" لأبي حيان ٨/ ٢١٥، "المحرر الوجيز" لابن عطية =


الصفحة التالية
Icon