قال: فخرجوا حتَّى أدركوها في ذلك المكان الذي قال رسول الله - ﷺ -، فقالوا لها: أين الكتاب، فحلفت بالله ما معها كتاب، فبحثوا وفتشوا متاعها، فلم يجدوا معها كتابًا، فهمُّوا بالرجوع، فقال علي - رضي الله عنه -: والله ما كذبنا ولا كُذّب بنا وسلَّ سيفه، وقال لها: أخرجي الكتاب وإلَّا والله الذي لا إله إلَّا هو لأضربنَّ عنقَكِ، فلما رأت الجِدَّ أخرَجتْه من ذؤابتها (١) قد خبأته في شعرها فخلَّوا سبيلها، ولم يتعرضوا لها ولا لما معها، ورجعوا بالكتاب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
فأرسل رسول الله - ﷺ - إلى حاطب بن أبي بلتعة - رضي الله عنه -: فأتاه، فقال له النَّبِيّ - ﷺ -: "يَا حاطب هل تعرفُ هذا الكتاب؟ " قال: نعم، فقال عمر - رضي الله عنه -: يَا رسول الله دعني أضرب عنقه فإنَّه منافق، فقال: "مهلًا يَا عمر"، ثم قال: "يَا حاطب ما حَمَلك على ما صنعتَ؟ " قال حاطب: والله يَا رسول الله ما كفرت منذ أسلمتُ، ولا غشيت منذ نصحتُ، ولا أحببتهم منذ فارقتهم؛ ولكن: لم يكن أحد من المهاجرين إلَّا وله بمكة قرابة يمنعون عشيرته، وكنت غريبًا فيهم، وكان أهلي بين ظَهْرَانيهِم، فخشيتُ على أهلي منهم، فأردت أن أتَّخذ عند المشركين يدًا بكتاب، وقد علمتُ أنَّ الله عز وجل يُنزلُ بهم بأسه، وإنَّ كتابي لا يغني
والذُّؤَابَةُ: الشعر المضفور.
انظر: "لسان العرب" لابن منظور (ظعن).